بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد
ثقافة الاعتذار
يظل الاعتراف بالذنب خلقاً نادراً في مجتمعاتنا وبالتالي لا يزال الاعتذار
عن الخطأ صعباً ومستبعداً لاعتبارات وتقاليد نمطية متوارثة لم تتنور بما
شاع من علم ودين، أو بما بدأ ينتشر من وعي في مجتمعنا.
فما زال المخطئ يخطئ ولا يعترف فضلا عن أن يعتذر يخطئ ويستكبر والعياذ
بالله، في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس قال: (إياك وكل ما
يُعتذر منه) يبين لنا فيه صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي على المسلم أن
يتجنب فعل الأمور التي يحتاج إلى الاعتذار بعد فعلها، وهي بلا شك أمور سيئة
تجلب على صاحبها الذم، وكذلك فإن الأمور والأفعال الطيبة، لا يحتاج فاعلها
إلى الاعتذار منها.
الاعتذار لغةً: هي كلمة تَدُلُّ عَلَى مَعَانٍ كَثِيرَةِ وَمِنْهَا:
الْعُذْرُ وَهُوَ محاولة الإِنْسَانِ إِصْلاَحَ مَا أنْكرهَ عَلَيْهِ
الآخرون بِكَلاَمٍ أو بفعل أو بإشارة
واصطلاحًا: هو أن يظْهر الإِنْسَان النَدَمٍ وأن يتَحَرِّي شيئا مَا يَمْحُو به أَثَرَ ذَنْبِه.
أساليب الاعتذار:
قَالَ الفيروز أبادي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:الاعْتِذَارُ عَلَى ثَلاَثَةِ
ضُْرُوبٍ: أَنْ يَقُولَ: لَمْ أَفْعَلْ، أَوْ يَقُولَ: فَعَلْتُ لأَجْلِ
كَذَا فَيَذْكُرُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُذْنِبًا، وَالثَّالِثُ
أَنْ يَقُولَ: فَعَلْتُ وَلاَ أَعُودُ، وَنَحْوُ هَذَا. وَهَذَا الثَّالِثُ
هُوَ التَّوْبَةُ، وَكُلُّ تَوْبَةٍ عُذْرٌ.
الآيات الواردة في " الاعتذار"
1- يقول الله تعالى قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ
تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ
التوبة
2- يقول الله تعالى في سورة التوبة في شأن الْخَوَالِفِ عن غزوة تبوك
يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاَ
تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ
أَخْبَارِكُمْ
3- يقول الله تعالى في سورة غافر يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ
4- يقول الله تعالى في سورة المرسلات هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
الأحاديث الواردة في "الاعتذار"
1- وفي الحديث الصحيح من سنن النسائي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُمَا ـ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ أَسْلَمَ، ثُمَّ
ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِالشِّرْكِ، ثَمَّ تَنَدَّمَ فَأَرْسَلَ إِلَى
قَوْمِهِ: سَلُوا لِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. هَلْ لِيَ مِنْ
تَوْبَةٍ؟ فَجَاءَ قَوْمُهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
فَقَالُوا: إِنَّ فُلاَنًا قَدْ نَدِمَ، وَإِنَّهُ أَمَرَنَا أَنْ
نَسْأَلَكَ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَنَزَلَتْ: كَيْفَ يَهْدِي اللهُ
قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: إِلا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأَسْلَمَ.
2- عَنْ أَنَسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ قَالَ: َقَالَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ
النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللهِ، غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ
الْمُشْرِكِينَ، لَئِنِ أَشْهَدَنِي اللهُ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ
لَيَرَيَنَّ اللهُ مَا أَصْنَعُ. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ،
وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ
مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي أَصْحَابَهُ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ
مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ
3- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله: إِيَّاكَ وَكُلَّ أَمْرٍ يُعْتَذَرُ مِنْهُ.
الحاكم والألباني في صحيح الجامع وفي الصحيحة له ولا يفهم أحبتي في الله من
الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ينهانا عن الاعتذار مطلقا، فإن
الاعتذار عن الخطأ مشروع، وأمر محمود، ولكن المذموم هو أن ترتكب ما تحتاج
معه إلى الاعتذار عنه’ وهذا فيه صيانة لدين الإنسان وحفظا لماء وجهه، فالذي
يقترض مالا على سبيل المثال، ثم يعتذر لتأخره عن سداد ذلك المال، أولى في
حقه أن لا يقترض، لكي لا يحتاج إلى الاعتذار، ، وكل من يُخطأ فله عذر، ولكن
من الأعذار ما يكون مقبولا ومنها ما لا يُقبل، فالأعذار التي يأتي بها
الظالمون يوم القيامة لا تنفعهم، قال تعالى: يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم
ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ، ولقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن كل
بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون، وهذا يستلزم أن من أخطأ أو أذنب،
فعليه أن يبادر إلى التوبة والاستغفار.
من المبررات والأعذار التي يكثر تداولها بين المسلمين اليوم، العذر
بالمراهقة، فكثير ما يعتذر الأب عن ابنه لتقصير في الواجبات والفروض وخصوصا
الصلاة بحجة أنه مراهق والله تعالى سوف يهديه كما هدى غيره ، أو تجده
يعتذر عن المخالفات الشرعية والطوام التي يفعلها ولهده لأن السن التي يمر
بها حرجة!!، فإن أنت نصحت أباً في ابنه، أجابك وأنه لا يزال مراهقا، ،
فتجده يغض الطرف عن عدم حضور ابنه لصلاة الجماعةوهذا من الأعذار غير
المقبولة فيجب على الآباء إدراك خطورة هذا الأمر وتذكر قول رسول الله صلى
الله عليه وسلم كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول
قال الشاعر وقد نظم بيتا في العذر المقبول
إِذَا اعْتَذَرَ الْجَانِي ومَحَا الْعُذْرُ ذَنْبَهُ… وَكَانَ الَّذِي لاَ يَقْبَلُ الْعُذْرَ جَانِيًا
من فوائد الاعتذار
(1) الاعْتِذَارُ إلى الله يَمْحُو الذُّنُوبَ.
(2) اسْتِرضاَء الْمُعْتَذَرِ إِلَيْهِ.
(3) الاعْتِذَارُ يُصَفِّي الْقُلُوبَ.
(4) الاعْتِذَارُ يَقِي النَّاسَ مِنَ الهَلاَكِ.
(5) يُرْزَقُ الْمُعْتَذِرُ وَالْمُعْتَذَرُ إِلَيْهِ التَّوَاضُعَ.
(6) الْمُسْلِمُ الَّذِي يَقْبَلُ العُذْرَ مِنْ أَخِيهِ يُشَجِّعُهُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ.
(7) يُرْزَقُ قَابِلُ الاعْتِذَارِ مَوَدَّةَ اللهِ تبارك وتعالى.
وأخيرا حبيبي في الله إن فعلت أمرا يُعتذر منه، فبادر بالتوبة والاستغفار،
والاعتراف والإقرار، كما جاء في حديث سيد الاستغفار، وأبوء بذنبي، أي أعترف
به كما أعترف بنعمتك علي، وإياك والتكبر على الناصحين، أو أن تأخذك العزة
بالإثم، فإن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، نفعني الله
وإياكم بما علمنا وعلمنا ما ينفعنا أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.