moussa.h ـ عُ ـضـو فـِـضِــي
الجنس : عدد المساهمات : 592 نقاط : 1431 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 26/04/2011 العمر : 32 الموقع : la.moussa@yahoo.fr
| موضوع: ضحايا الحب الأحد مايو 29, 2011 7:46 pm | |
| الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه وبعد : فيظن بعض الناس أن أصحاب الشريعة وأبناء الملة لا يعرفون الحب ، ولا يقدرونه حق قدره ، ولا يدرون ما هو ، والحقيقة أن هذا وهم وجهل ، بل الحب العامر أنشودة عذبة في أفواه الصادقين ، وقصيدة جميلة في ديوان المحبين ، ولكنه حب شريف عفيف ، كتبه الصالحون بدموعهم ، وسطره الأبرار بدمائهم ، فأصبحت أسماؤهم في سجل الخلود معالم للفداء والتضحية والبسالة . وقصدت من هذه الرسالة الوقف مع القارئ على جوانب مشرقة ، وأطلال موحشة في مسيرة الحب الطويلة ، التي بدأها الإنسان في حياة الكبد والنكد ، ليسمو إلى حياة الجمال والجلال والكمال ، وسوف يمر بك ذكر لضحايا الحب وقتلاه ، وستعرف المقصود مما أردت إذا قرأت ، وتعلم ما نويت إذا طالعت . والله وحده نسأل أن يجعلنا من أحبابه ، والشهداء في سبيله . الحب ماء الحياة ،وغذاء الروح ، وقوت النفس . تعكف الناقة على حوارها بالحب ، ويرضع الطفل ثدي أمه بالحب وتبني الحمرة عشها بالحب ، بالحب تشرق الوجوه ، وتبتسم الشفاه ، وتتألق العيون . الحب قاض في محكمة الدنيا ، يحكم للأحباب ولو جار ، ويفصل في القضايا لمصلحة المحبين ولو ظلم ، بالحب وحده تقع جماجم المحاربين على الأرض كأنها الدنانير ،لأنهم أحبوا مبدأهم ، وتسيل نفوسهم على شفرات السيوف ، لأنهم أحبوا رسالتهم ، أحب الصحابة والمنهج وصاحبه ، والرسالة وحاملها ، والوحي ومنزله ، فتقطعوا على رؤوس الرماح طلبا للرضا في بدر ، وأحد ، وحنين ، وهجروا الطعام ، والشراب ، والشهوات في هواجر مكة ، والمدينة ، وتجافوا عن المضاجع في ثلث الليل الغابر ، وأنفقوا طلبا لمرضاة الحبيب . بالحب صاح حرام بن ملحان مقتولا : فزت ورب الكعبة !، بالحب نادى عمير بن الحمام إلى الجنة مستعجلا : إنها لحياة طويلة إذ بقيت حتى آكل هذه التمرات ! ، بالحب صرخ عبد الله بن عمرو الأنصاري : اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى !. لما أحب الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ صارت له بردا وسلاما ، ولما أحب الكليم موسى ـ عليه السلام ـ انفلق له البحر ، ولما أحب خاتمهم حن له الجذع ، وانشق له القمر . المحب عذبه عذاب ، واستشهاده شهد لأنه محب . أحبك لا تسأل لماذا لأنني *** أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي بالحب يثور النائم من لحافه الدافئ ، وفراشه الوثير لصلاة الفجر ، بالحب يتقدم المبارز إلى الموت مستثقلا الحياة ، بالحب تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا يقال إلا ما يرضي الرب ، الحب كالكهرباء في التيار يلمس الأسلاك فإذا النور ، ويصل الأجسام فإذا الدفء ، ويباشر المادة فإذا الإشعاع ، الحب كالجاذبية به يتحرك الفلك ، وتتصاحب الكواكب ، وتتآلف المجموعة الشمسية ، فلا يقع بينهما خصام ولا قتال ، بالحب تتآخى الشموس في المجرة ، فلا صدام هناك ، ويوم ينتهي الحب يقع الهجر والقطيعة في العالم ، وسوء الظن والريبة في الأنفس ، والانقباض والعبوس في الوجوه ، يوم ينتهي الحب لا يفهم الطالب كلام معلمه العربي المبين ، ولا تذعن المرأة لزوجها ولو سألها شربت ماء ، ولا يحنو الأب على ابنه ولو كان في شدق الأسد ، يوم ينتهي الحب تهجر النحلة الزهر ، والعصفور الروض ، والحمام الغدير ، يوم ينتهي الحب تقوم الحروب ، ويشتعل القتال ، وتدمر القلاع ، وتدك الحصون ، وتذهب الأنفس والأموال ، ويوم ينتهي الحب تصبح الدنيا قاعا صفصفاً ، والوثائق صحفا فارغة ، والبراهين أساطير ، والمثل ترهات ! . لا حياة إلا بالحب ، ولا عيش إلا بالحب ، لا بقاء إلا بالحب ، إذا أحببت شممت عطر الزهر ، ولمست لين الحرير ، وذقت حلاوة العسل ، ووجدت برد العافية ، وحصلت أشرف العلوم ، وعرفت أسرار الأشياء . وإذا كرهت صارت كل كلمة عندك جارحة ، وكل تصرف مشبوها ، وكل حركة مشكوك فيها ، وكل إحسان إساءة . المحب هجره وصال ، وغضبه رضا ، وخطيئته إحسان ، وخطؤه صواب . ويقبح من سواك الفعل عندي *** وتفعله فيحسن منك ذاكا ! الحب حبان : حب ارضي طيني سفلي إنما هو هيام وغرام ، وحب علوي سماوي إلهي ، وهو طاعة وعبادة وشهادة وسيادة . فحب الأرض للعيون السود والخدود والقدود ، ووادي الغضا ، وأهل البان ، وذكريات سلمى ، وأيام ليلى . وحب الإله تعلق بشرعه ، وانقياد لأمره ، وامتثال لدينه ، وتقرب منه . حب الطين آهات وزفرات وحسرات وندامات . وحب رب العالمين علو ورفع وكرامة وسلامة وسعادة وريادة ، كيف لا تحب الله وما من نعمة عليك إلا هو منعمها ، ولا بلية إلا هو صرفها؟ ! هو المحسن وحده _ جل في علاه _ .، فقضاؤه عدل ، وشرعه رحمة ، وخلقه جميل ، وصنعه حكيم ، وفضله واسع ، ووصفه حسن ، فلا عيب في شئ من صفاته ، بل الكمال كله فيها ، ولا نقص في تدبيره ، بل الحكمة أجمعها فيه ، ولا خلل في صنعه ، بل الحسن أوله وآخره فيه ، فحبه واجب ، والتقرب منه فريضة ، وشكره حتم ، وطاعته لازمة . أما الحب سواه فمنافع متبادلة ، وأهواء مشتركة ، وأغراض مادية ، يشوبه الخلل والزلل والإسراف وعدم الاستقرار ، مع ما يعقبه من أسف وندامة وحسرة . ولا أحد في الكون يسكن له العبد ، ويتوكل عليه إلا الواحد الأحد ، ولذلك سمى نفسه ( الله ) ،. قيل هو الذي تأله النفوس إليه ،. وتسكن إليه في علاه . الحب للرحمن جل جـلاله *** وهو مستحق الحب والأشواق
فأصرفه للملك الجليل ولذبه *** من كل ما تخشاه من إرهاق ما الحب ؟ لا أعلم كلمة في قاموس العربية تعبر عن الحب مثل كلمة ( الحب ) ، فليس هناك أصدق من ( الحاء والباء ) في دلالتهما على هذا المقصود العظيم ، فالحاء تفتح الفم فيبقي فارغا حتى تأتي الباء فيضم الفم وتطبق الشفتان ، إذا هنا اجتماع بعد فرقة بعد هجر !. وكلمة ( حب ) كلمة عامرة ، لها أنداء وأفياء وظلال وأبعاد ، وهي كلمة مؤنسة مشجية منعشة مشوقة ، بل هي معجبة مطربة مغرية ، لكنها ذائعة شائعة ، غير أنها خفيفة لطيفة شريفة وفيها نضارة . كلمة (حب ) عالم من المودة والصلة والأنس والرضى والراحة ، وهي دنيا الأمل والفأل الحسن ، والأمس الجميل واليوم الحافل ، والغد الواعد . إنها رحلة في عالم التآلف والتآخي ، والتفاهم والتكاتف ، والتضامن والتعاون ، في كلمة ( حب ) بسمة وضمة ولهفة واشتياق ولوعة ! . إذا قلت : ( حب ) تداعت الذكريات القديمة ، وثارت المعاني الجميلة ، وحضرت المواقف المشجية ، واستعادت النفس شبابها ، والقلب أمله ، والروح إشراقها ، والمجلس بهجته ، والحضور أنسه . إذا قلت : (حب ) سافرت بك قافلة الذكرى إلى صور ومشاهد لا تمحى من ذاكرة الزمن ، فعرضت لك الطفل يضم الثدي ، والناقة تحنو على الفصيل ، والآكام تلف الثمار ، والأغصان تعانق الجذوع ، والفراشة تلثم الزهرة ، والعش يكتنف الطائر ، فما احسن كلمة ( حب ) وما أبدعها وما أروعها . الحب حرفان حاء وبعدهـا باء *** تذوب عند معـانيها الأحباء ! إذا قلت ( حب ) هل غيث الرجاء ، وهبت ريح الصفاء ، وسرى نسيم الوفاء ، وتهللت أسارير الوجوه ، وانبلجت معالم الطلعات ، وأشرقت شموس الأيام ، وإذا قلت (حب ) امتلأت الجوانح بالأشواق ، والحشايا بالتلهف ، والضمائر بصور الأحباب ، ومعاهد الأصحاب ، ومغاني الأتراب . إذا قلت: ( حب ) تساقطت أوراق البغضاء ، وتلاشت نزعات الشر ، وارتحلت قطعان الضغينة ، وفزت زمر الأحقاد ، وغربت نجوم العداوات . كلمة ( حب ) سماء شمسها اللقاء ، وقمرها العناق ، ونجومها الذكريات ، وسحبها الدموع . كلمة ( حب ) إشراقة من عالم الملكوت ، وإطلالة من ديوان الخلود ، ووقفة في بساط العظمة . من استظل بسمائها اتقد شوقه وتدافع خاطره . وأما تعريف كلمة ( الحب ) فخذه نظما ولا تخش ظلما ولا هضما : الحب بسمـة عاشق ولو أنها *** سفرت لغار البدر من إطلالها ! وقيل : الحب أكبادنا تشوى وأعيننا *** تكوى ، وأعمارنا تطوى على الأمل وقيل : إذا قلت هذا الحب بعد ولوعة *** وفرقة أصحاب وهجر أقارب
فما الحب إلا الأنس والقرب والرضى *** فدعني فهذا الحكم بعد التجارب وقيل : الحب كالسحر إلا أن رقيته *** شهادة لا يذوق الموت لاقيها وقيل : الحب ليس رواية شرقية *** بأريجها يتزوج الأبطال
لكنه الإبحار دون سفينة *** ومرادنا أن الوصول محال وقيل : لعلك يا محب ظننت ظنا *** بأن الحب جمع وافتراق
أجل هو جمع أوصال تداعت *** وفرقة مهجة ، ودم يراق ! وقيل : الحب قصة طويلة فصولها الشهداء . وقيل : الحب سر لا يعرفه المحبون . وقيل : الحب ليس له تعريف إلا الحب . السؤال الأول : سألت إمام الحي عن حكم عاشق *** إذا أزداد حبا صار من شوقه صبا
أيجزئه ذكر ورد تحية *** وشهقة شوق كالنسيم إذا هبا ؟ !
فقال : عليه النحر يوم لقائه *** بمحبوبه حتى يزيل به الذنبا ! السؤال الثاني : سألنا أبا حمدان عن حكم صاحب *** أحب فأهدى الروح خلا بلا ثمن
أيحرم هذا البيع والشرط باطل *** أليس يقال المرء حقا إذا غبن
فقال معاذ الله بل صح بيعه *** وهذا الذي نفتي به سائر الزمن السؤال الثالث : سألت حماد عن صب جرى دمه *** من أجل أحبابه ماذا نقول له ؟
فقال : قولوا له يفدي بمهجته *** إما سواه على عمد نقول لهوا المتنبي مفتيا : يقول أبو الطيب : قفي واغرمي الأولي من اللحظ مهجتي *** بثنائه والملتف الشيء غارمه ومن المحبين من هجر الحب المحرم واتصل بالحب الشرعي الطاهر العفيف ، فأنتقل من عالم الزور ، ودنيا الهيام ، وظلام الغرام ، ومقام الآثام ، إلى جنة الصدق ، وروضة المعرفة ، وبستان اليقين ، وباحة الإيمان : فهذا ابن أبي مرثد هام ـ قبل أن يسلم ـ بفتاة وعشقها وسكب عمره في كأس هواها ، وأفرغ روحه في كوب نجواها ، وفرغ شبابه على تراب مغناها ، فلما هداه الله وغسل قلبه من أدران الهوان وأوصار المعصية ، أفاق ـ والله ـ من رقده الغفلة ، ومن سنة الجهالة ، ومن سكرة الغي ، على صوت بلال ، فارتجف جسمه ، وتهذبت روحه ، وأعلن في إباء ، وصاح في استعلاء : أتوب إليك يا رب ، وأقبل على المصحف ، وهب إلى المسجد ، واستعان بالصبر والصلاة ، وأدمن الذكر ، وسجل رائعته في ديوان الخلود وسفر النجاة ودفتر المجد : أأبقى غويا في الضلالة ساردا *** كفي بالمرء بالإسلام والشيب ناهيا وهذا لبيد بن ربيعة الشاعر المشهور ، هام بالغزل ومات بالمقل ، وانغمس في الشعر وحده ، يعيش للقافية ، ويضحي للقصيدة ، ولكنه عرف الله عن طريق الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم ، فتاب من حياة العبث والضياع ، ورجع إلى المحراب ، وأقبل على التلاوة ، وأنشد : الحمد لله إذ لم يأتني أجلي *** حتى اكتسب من الإسلام سربالا ونذر لله لا ينظم ولو بيتا واحد ، فإن فعل أعتق رقبة ، وقال : كفتني سورة البقرة عن الشعر وهذا إبراهيم بن أدهم عاشق الملك ، وهاوي الإمارة ، والمولود في الرئاسة ، فكر ذات يوم فقال : كان أجدادي وآبائي ملوكا فأين هم الآن ؟ هل تحس منهم أحد أو تسمع لهم ركزا ؟!، وتذكر قول الشاعر : وسلاطينهم سل الطين عنهم *** والرؤوس العظام صارت عظاما ! فأعلن توبته ، وفر من قصره ، وخلع ثياب الملك ، وهرب من الترف والجاه والنعيم إلى قرة وراحة الأرواح ، فكان يسكن الخراب ، ويمرغ أنفه بالتراب ، ويأكل الشعير ، وينام على الرصيف ، ويقول نحن في عيش لو علم به الملوك لقاتلونا عليه بالسيوف : أمطري لؤلؤا سماء سرنديب *** وفيضي آبار تكريت تبرا
أنا إن عشت لست أعدم خبزا *** وإذا مت لست اعدم قبرا ! وهذا عمر ابن عبد العزيز ابن النعمة والحشمة ، وارث الدور والقصور ، أرغد الناس في شبابه عيشا ، وأكثرهم ترفا ، وأزكاهم عطرا ، لكن نفسه تاقت إلى الجنة فزهد في الفاني ، ورغب في الباقي ، واقبل على الله تعالى ، وصدق مع ربه فعدل في الرعية ، وأخلص في العبودية ، وقاد الأمة الإسلامية خير قيادة ، مع ورع متين ، وعلم راسخ ، وخشوع صادق : جزاك ربي عن الإسلام مكرمة *** وزادك الله من أفضاله كرما
| |
|