الحبُّ كلمةٌ لطالما تردَّدت على أفواهنا، ووصفتْها أفعالنا، وشعرت بها أحاسيسنا ووجداننا، سواء كان ذلك بمفهومه الصحيح أمِ الخاطئ.
وهذه الكلمة تتردَّد بنسبةٍ كبيرة، خاصَّة بين فِئة الشباب والمراهقين، بغضِّ النظر عن مفهومهم لها، يحاولون تجسيدها والعيش في كنفِها وحضنِها واقعيًّا وحسيًّا.
لكن الملاحَظ أن كلهم يربطونه بالغضبِ والغَيرة، والهلاك والحزن، والسعادة والأمل، و...، و...، و...
على خلافِ الحبِّ الذي هو رابطٌ وثيق، يكون دومًا على قناعة وصِدق وثِقة.
فالأمُّ تحبُّ ابنها، وتسعَى دومًا إلى سعادته، وتتمنَّى له النجاح والعيش في طمأنينة وهناء، فتسعى إلى تربيته تربيةً صالحة، بعيدةً عنِ الهوى والشهوات، فتعلمه أنَّ طاعة الله ورسوله واجبةٌ، وأن الكذِب حرام، وأن السرقة حرام، وأن طاعةَ والديه واجبةٌ عليه وغيرها، حتى يصِلَ إلى السعادة في الدارين
والأمر نفسه بالنسبة للأب والابن، والأخ والأخت، والزوج والزوجة.
والآن سأعرِض كيفيةَ حبِّ كل فرْد لطرفه الآخَر، فنبدأ بالأهل، وأُنهي بالعلاقة التي يعتبرها الكلُّ رمزًا للحب، وهي العلاقة بيْن الرجل والمرأة.
الأم:
المرأة عندما تكون حاملاً بابنها تربطها به رابطة قوية؛ روحًا وجسدًا، كيف لا، وهي تشعر به ويتغذَّى عن طريق ما تتغذَّى عليه، وتسمع حركته لمدَّة زمنية ليستْ بقليلة، وتزداد هذه الرابطة وتحبك جيدًا كلما ازداد في نموِّه؟! فلا تظن أنَّ أمَّك لا تحبُّك.
وبعدَ وضْعك - وما احتملتِ المرأة في ذلك ما احتملتْ - لا تنقطع تلك الرابطة، بل تتجدَّد عن طريق الرَّضاعة التي لها أثرٌ كبير في نموِّك وتغذيتك، كلما أحسَّت بجوعك ليلاً ونهارًا، سواء كانت متعبةً أم مستريحة، قلِقة أم فرِحة، حزينة أم سعيدة، كل ذلك لا يؤثِّر في القيام بواجبها تجاهك، وتفْرَح دائمًا لسعادتك، وتقلق لبكائِك، وتسعَى جاهدة لمعرفةِ سببه مِن جوع أو عطش، أو بلل أو ألَم أو حمَّى، وتسعى دومًا لإزالته، فلا تظنَّ أبدًا أنَّ أمك لا تحبك.
تكون هذه الرابطة بيْن الأم وابنها قويةً جدًّا، لا العقل ينكرها ولا الفِطرة، بل يُصدِّقها العقلُ وتُؤكِّدها الفطرة، فلا تظن أنَّ أمك لا تحبك.
ثم تبدأ فترةُ التعلُّم والمعرِفة، فتسعَى جاهدةً لتكونَ مع الأوائل؛ فتوفِّر لك الجوَّ المناسب، وتستيقظ مبكرًا حتى لا تتأخَّر عن دراستك، وتُحضِّر لك طعامك وشرابك، وملابسك النظيفة والسليمة؛ حتى تظهر في هندامٍ جميل، ولا تظنَّ قسوتها عليك في بعضِ الأحيان ضدَّ رغباتك الزائفة كُرهًا لك واضطهادًا، بل كله رغبة في سلامتك، فل تظن أبدًا أنَّ أمك لا تحبك.
وحينما تكبر تتمنَّى لك دومًا الحُصُول على عملٍ مُناسِب لك يليق بتعليمك، وزوجةً تحافظ عليك وتسعدك، وتربِّي أولادَك كما ربتك هي وسهرتْ عليك، فإنْ تركتْك يومًا فتأكد أنَّها ترغب مِن وراء ذلك أن تتَّكل على نفسك، فتصبح رجلاً بفضل الله، ثم بمجهودك، حتى لا يقال: هذا مِن فلان، وذاك مِن فلان، ولولا فلان ما كنت (سي فلان)، فلا تظن أبدًا أنَّ أمَّك لا تحبُّك
واعلمْ وتيقَّن أنَّك أكبر همها، سعادتك سعادتها، وحزنك حزنها، وإذا تعذَّبت تعذَّبَتْ مرَّتين، فلا تظن أنَّ أمك لا تحبك.
ملاحظة:
هذا الذي ذَكرْناه كله قطرةٌ مِن بحْر مما تقوم به الأمُّ مِن أجْل ابنها، فلا تقل: هذا قليل، ولا تقل: هو واجب عليها ولازم لها، وليس لها فضلٌ عليَّ؛ لأنه من حقوقي!
صحيح، ولكن لا تنسَ أنَّ واجبك طاعتها ومحبتها، فماذا فعلتَ تجاهها، وهو واجب عليك، وحق مِن حقوقها؟ ولو تخلَّيتَ عن هذا الحق لم تتخلَّ هي عن واجبها، فلا تظنَّ أنَّ أمَّك لا تحبُّك.