عملنا هو الكلمة، بها ننفعل، وبها نداعب غيرنا، وعلى الرغم من أنها أساس المهنة، إلا أننا نرفض أن نطوعها حسبما نريد، وإنما هي التي تختار مكانها الذي تحل فيه، وهدفها الذي انطلقت من أجله، فللكلمة منزلتها التي حازتها من نفسها، وليست هبة منا أو من غيرنا.
من هنا، نتفاعل كثيراً مع أي تصريح أو حوار، يجد طريقه للنشر على صفحاتنا، وعلى الرغم من حرية من يصرح في أن يقول ما يشاء طالما أنه ينشد الصالح ولا يخرج عن النص، إلا أن ذلك لا يمنعنا في أوقات كثيرة من الدهشة، من هذا الحوار أو ذاك التصريح، لغرابة فيه، أو لقوة من صاحبه، ممن يجيدون العزف بالكلمات أكثر من غيرهم.
ومن واقع تجارب كثيرة في عالم الإعلام الرياضي، ندرك أن هناك من يتكلمون أكثر مما يعملون، وهناك من يبرعون في فن الحوارات أكثر من غيرهم، والبعض منهم هم بالفطرة إعلاميون محنكون، يعلمون ماهية العناوين و«المانشيتات»، ويتصورون وهم يدلون بتصريحهم أنهم يقدمون للصحفي صيداً ثميناً، سيجد طريقه بسرعة إلى صدارة الصفحات وربما الأغلفة.
ولكن ما شدني طوال الفترة السابقة، فيما ينشر من حوارات، هو أن بعضها، لأناس كانوا يوماً مسؤولين عن رياضتنا، يوجهون دفتها ويتحكمون في مصيرها، فلما غابوا حيناً عن الساحة، أطلوا عليها عبر الصحف بوجه غير الذي غادرونا به، فمعظمهم غير راضين عما يحدث، وهؤلاء جميعاً يتفقون في مقولة واحدة تحمل مسؤولية التراجع، لأحد اثنين، الهيئة والاحتراف، ناهيك عن مصطلحات تتكرر لدى الغالبية، من نوعية «الهرم المقلوب»، و«الشفافية» و«القاعدة السنية»، وغيرها من الكلمات التي يداعبون بها الشارع، وأجزم أنهم يداعبوننا نحن في مهنة الإعلام قبله، والسبب أنهم يقولون كثيراً ما نريد أن نسمعه، لأن سوى ذلك، قد يعني بالضرورة أن كلامهم «فاتر» بلا لون ولا طعم ولا رائحة.
ولكن مع تكرار هذه الموجة من التصريحات، شغلتني تلك الحالة كثيراً، وتحول السؤال إلى تساؤلات عدة، فلماذا نحن في المنصب دبلوماسيين إلى أقصى درجة، ولماذا نتخلى عن هدوئنا ذلك بعد الرحيل، ولماذا لم نقل ما نقول حين كنا على الكرسي، نوجه ونأمر فنطاع، ولماذا كل الذين رحلوا أو معظمهم منظرون بينما الحاليون صامتون، ولماذا وقد كان هؤلاء يوماً مسؤولين، لم يعدلوا الهرم، ويضعوا قواعد البناء، وغيرها من «لماذا» التي أخذتني في حلقات لا تنتهي، تصب جميعها في ذات الحلقة.
أما السؤال الأهم، فقد كان: لماذا الهجوم على الهيئة والاحتراف بالذات حتى باتا قاسماً مشتركاً في أي حرب على واقعنا الرياضي، ولم أجد عناء في الوصول إلى إجابة، فالاثنان شديدا الشبه ببعضهما، فهما واسعان لدرجة أن الهجوم عليهما قد لا يتجه إلى شخص بعينه، وهما ميدان خصب للرماية، بحيث إنك إذا اتهمت هنا أو هناك، لن تجد من يرد عليك أو يتصدى لك.
أما السؤال الذي استفزني حين قفز إلى خاطري، فهو لماذا نتحدث فقط عن الواقع، حتى لو كان كما يقولون دون أن نطرح الحلول.. وبحثت عن إجابة دون أجد شيئاً، سوى خاطراً عابراً آخر: لو كانت لديهم لفعلوها وهم «على الكراسي»!
كلمة أخيرة:
ما يحدث من مساجلات في الساحة أشبه ب«دراما رياضية»، ولكن المشكلة في هذا المسلسل أنه لا توجد «حلقة أخيرة»