قدرة الفقه الإسلامي علي الاسهام في جميع مستجدات
الواقع، وتقديم طرق وقائية وكذلك حلول جذرية لمشكلاته وقضاياه المرتبطة
بالكون والبيئة والعمران. كانت نقطة انطلاق مناقشات مؤتمر تطور العلوم
الفقهية، الذي بدأ أعماله أمس بسلطنة عمان بحضور أكثر من خمسين عالما
إسلامياً من مختلف أنحاء العالم، وبمشاركة الأزهر الشريف.
ويناقش
المؤتمر الذي يستمر أربعة أيام، وتنظمه وزارة الأوقاف والشئون الدينية تحت
رعاية معالي عبدالعزيز بن محمد الرواس مستشار السلطان للشئون الثقافية،
العديد من الأوراق البحثية حول فقه إدارة المياه، وحماية البيئة من خلال
نظام الوقف الاسلامي، وحماية الثروات الطبيعية، وأخلاقيات البيئة في
الشريعة، النظرة الفقهية للعمران البشري لدي ابن خلدون، وفقه المهاجرين
والفئات الاجتماعية.
وفي كلمته الافتتاحية أكد الدكتور عبدالرحمن
السالمي رئيس المؤتمر أن فقه العمران والحضارة، ليس جديدا علي التجربة
الاسلامية، التي تعاملت معه مبكراً في مختلف المجالات الحياتية ورغم أن
المصطلح الخاص بهذا الفقه، لم يكن متداولا لدي الفقهاء قديماً، فإن ابن
خلدون تحدث عن العمران البشري، أثناء محاولته وضع قوانين للتطور التاريخي
للمجتمعات. وأوضح أن ذلك لا يمنع أننا بحاجة للتجديد في هذا الفقه، ومتابعة
الاجتهادات المعاصرة له، وما ارتبط بها من فتاوي وآراء. وأشار السالمي
لتناول المؤتمر لدور العلماء والفقهاء في النهوض بالوجود العمراني والحضاري
المعاصر.
في حين ركز الشيخ أحمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان علي
العلاقة الوثيقة بين الحضارة في كل مجالاتها، وبين الأخلاق، وذلك كما
حددتها الشريعة الاسلامية التي جعلت تربية المسلم علي مكارم الأخلاق، جزءاً
أساسياً من الحضارة الاسلامية، وقال إن (الأخلاق) تتضح كذلك في كل تشريع
إسلامي يتعلق بالفرد أو المجتمع. وطالب بالتمسك بهذه السمة التي تنفرد بها
الحضارة الاسلامية عن غيرها من الحضارات.
وطالب الشيخ علي عبدالباقي
أمين عام مجمع البحوث الاسلامية باستنباط الحلول الوقائية والعلاجية لقضايا
البيئة من داخل الدستور الاسلامي (قرآناً وسنة) فإلاسلام منع أولا الافساد
في الأرض: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها". وهذا يشمل الافساد والتخريب
بجميع صوره، بل أن هذا النهي امتد إلي فترات الحروب، فالرسول صلي الله
عليه وسلم كان يحذر قادة جيوشه من التخريب للعمران، أو القطع للأشجار
والنخيل، وذلك في الوقت الذي شجعت فيه السنة النبوية علي تنمية الكون
وتحسين البيئة، فجعلت (الصدقة) أجر لمن يغرس غرساً. بالاضافة لذلك وضع
الاسلام منهج (التوازن البيئي) فجعل لكل مخلوق صغر أم كبر دوره الذي يفيد
نفسه وغيره وبيئته.
وأوضح أمين مجمع البحوث أن التصدي لمن يفسد البيئة يندرج ضمن المنكرات الواجب علي المسلم أن يغيرها بيده أو لسانه أو قلبه.
في
حين أشار الدكتور وهبة الزحيلي رئيس رابطة علماء الشام إلي منهج الوسطية
الذي أقره الاسلام في التعامل مع جميع القضايا ومنها قضايا الكون والعمران.
وقال أنه يجب التمسك بهذه الوسطية، كما يجب التمسك بوحدة المسلمين وعدم
الاستجابة لمخططات التفرقة المذهبية والطائفية، مشيراً لحرية كل مذهب
إسلامي في أن يفعل ما يريد، بشرط الاتفاق علي إحياء الجذور المشتركة للأمة
وهذا ما يجعل الحضارة الاسلامية تبعث من جديد.
lotfi star