[size=21]السؤال :
حين اعتلى غورباتشوف هرم السلطة في الاتحاد السوفياتي سنة 1985 قام
بالعديد من الإصلاحات أثرت تأثيرا بالغا على مستقبل البلاد السياسي
والاقتصادي .
وضح ذلك مبينا :
أ ) إصلاحات غورباتشوف وأهدافها.
ب ) انعكاساتها على الاتحاد السوفياتي والعالم .
الجواب :
إصلاحات غورباتشوف :
ما إن
اعتلى غورباتشوف سدة الحكم في مارس سنة 1985 خلفا لسلفه " تشير ننكوف" حتى
سارع بإحداث تغييرات بارزة بالاتحاد السوفياتي ، انتهت بتفككه في 08
ديسمبر 1991. بدأها بتطبيقه لنظرية إعادة البناء " البيروسترويكا" أي
إعادة ترتيب البيت السوفياتي بشكل يؤمن للمواطن حياة أفضل على حد تعبير "
غورباتشوف " وهي تعني أيضا إعادة الهيكلة وإعادة البناء كما سارع إلى
تطبيق " الغلاسنوست" والتي تعني الشفافية والوضوح ونهدف أساسا إلى إحداث
تحويلات أساسية كبرى في الاتحاد السوفياتي ومجموع الديمقراطيات الشعبية
التي كانت تدور في فلكه تماشيا ومتطلبات العصر ، وترمي إلى تحديث
الاشتراكية وجعلها تتماشى ومتطلبات العصر وتحرير المواطن من البيروقراطية
المعقدة ، وفتح مجال واسع للتخطيط والمساهمة القاعدية .
أهداف هذه الإصلاحات :
تتمثل أهداف هذه الإصلاحات في معالجة القضايا التالية ، والبحث عن حلول
ملائمة لها : - تباطؤ التنمية الاقتصادية ، وقد عبر غوربا تشوف عن ذلك
بقوله " فبلادنا أحد أكبر مراكز إنتاج الحبوب ، ومع ذلك فثمة ضرورة لشراء
ملايين الأطنان من الحبوب سنويا" .
تدني المستوى المعيشي للشعب السوفياتي مقارنة ببقية الدول الغربية
كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان ، وأوربا الغربية ، وانخفاض
المردودية الإنتاجية ، إذ أن الفلاح السوفياتي يوفر الغذاء لـ 10 أفراد
فقط في حين أن الفلاح الأمريكي يوفر الغذاء لـ 50 فردا بالإضافة إلى العجز
عن تغطية الاستهلاك المحلي مما جعل البلاد عرضة للتبعية الخارجية
./- تناقص معدل الحياة من 66 سنة 1965 إلى 60 سنة عام 1986 في حين
يصل هذا المعدل في الدول الغربية ذات الأنظمة الحرة ( النظام الرأسمالي )
إلى 75 سنة بالنسبة للرجال و 76 سنة بالنسبة للنساء .
/- تفشي ظاهرة البيروقراطية التي مست كل مناحي الحياة الإدارية من اقتصاد
وثقافة وتعليم والتي تسببت في تأخير إنجاز المشاريع وانخفاض الإنتاج
وارتفاع تكاليفه ، وبالتالي عادت على النظام الاشتراكي بأسوأ النتائج.
/- فشل كل المحاولات السابقة الرامية إلى تنمية وتطوير الحياة الاقتصادية
وتحقيق الاكتفاء الذاتي ، والتوازن الجهوي ، واللحاق بركب الدول الغربية
المتطورة اقتصاديا .
- بروز بما يعرف بأزمة الإيديولوجية واشتداد الصراع في هذا المضمار بين
المحافظين والتقدميين وكذا الأزمات الخانقة التي عرفتها الديمقراطيات
الشعبية قصد الخروج من الهيمنة السوفياتية
./- الصراع الإيديولوجي مع الغرب في إطار الحرب الباردة والذي جعل الاتحاد
السوفياتي يخصص جزءا معتبرا من ميزانيته بما يسمى بالسباق نحو التسلح وهذا
على حساب التنمية الزراعية والصناعية والثقافية .
انعكاساتها :
أ) على الاتحاد السوفياتي :كان لتبني هذه السياسة انعكاسات عميقة على الاتحاد السوفياتي منها :
- نبذ الإيديولوجية الماركسية التي تبناها الاتحاد السوفياتي منذ انتصار
الثورة الشيوعية سنة 1917 وقيام ما يعرف بالاتحاد السوفياتي حيث ظهرت
أصوات تنادي بضرورة إثراء محتوى المركزية عن طريق تعديل الممارسات
الإنتاجية وتجنب الغموض وحق الشعب في الإعلام عن طريق نشاط أجهزة الدولة .
/- موافقة الاتحاد السوفياتي على حل حلف وارسو وتصفيته نهائيا هذا الحلف
الذي أنشئ في 14 ماي 1955 كرد فعل حول قيام الغرب بإنشاء حلف شمال الأطلسي
في 04/04 /1949 والذي يعد الخطوة الأولى التي اتخذها الغرب للدفاع المشترك
ضد الشيوعية .
/-التخلي عن تكتله في منظمة الكوميكون ، هذه المنظمة التي كانت تضم معظم
دول المعسكر الشرقي منذ 1949 وبالتالي القيام بالانفتاح الاقتصادي على
العالم الغربي ، و قد تجسد ذلك فعلا في عدة اتفاقيات اقتصادية مثل اتفاق
دول المجموعة الاقتصادية الأوروبية سنة 1990 على تقديم قروض مالية للاتحاد
السوفياتي بقيمة 2.4 مليار دولار وتوقيع الرئيس جورج بوش على قانون يسمح
بتخصيص 938 مليون دولار كمساعدات لكل من بولونيا والمجر .
/-حدوث انقلاب 19 أوت 1991 ان الذي قام به المحافظون والمعارضون لسياسة "
غورباتشوف " بهدف إبعاده عن الحكم قبل ان ينهار الاتحاد السوفياتي ، إلا
أن هذا الانقلاب مني بالفشل وعاد " غورباتشوف" إلى السلطة ، وواصل تطبيق
سياسته السابقة.
/- بروز النزعة الاستقلالية داخل الجمهوريات وظهور ما يسمى ( مجموعة
الدول المستقلة ) حيث أعلنت جمهوريات البلطيق الاستقلال سنة 1990 وهي :
ليتونيا ، ليتوانيا ، استو نيا ، تبعتها جمهورية أوكرانيا في ديسمبر 1991
كما بادرت الجمهوريات الأخرى إلى الاستقلال عن السلطة المركزية وهي جو
رجيا ، مولدا فيا ، أرمينيا روسيا البيضاء ، أذربيجان ، كازخستان ،
قرقيزيستان ، كما أصبحت جمهورية روسيا الاتحادية الوريث الشرعي لما يسمى
بالاتحاد السوفياتي سابقا. ب - على العالم : كما كان لهذه السياسة
انعكاسات عميقة على العالم بعضها إيجابي وبعضها سلبي :
الانعكاسات الإيجابيةوتتمثل في :
الإعلان الرسمي عن وضع نهاية للحرب الباردة وذلك خلال قمة "مالطا"
التي جمعت الرئيس الأمريكي " بوش" والرئيس السوفياتي " غورباتشوف" هذه
الحرب التي كادت ان تتحول إلى مواجهة عسكرية في كثير من الأحداث وبالتالي
تقضي على العالم .
تقارب وجهات النظر الأمريكية و السوفياتية إزاء القضايا الدولية المعقدة ،
مثل نزاع نزع السلاح الإستراتيجي والمشكلة الأفغانية و قضية الشرق الأوسط
. - الحد من السباق نحو التسلح وتضخم الترسانة العسكرية العالمية التي
باتت تهدد العالم بالفناء ، حيث تم الاتفاق على وقف إنتاج الأسلحة
الكيماوية بنسب 98 %، والتعجيل بالمفاوضات الخاصة بخفض ترسانة الأسلحة
الإستراتيجية لدى الدولتين الكبيرتين إلى النصف والحد من إنتاج الأسلحة
النووية البعيدة المدى ، ولتأكيد صدق نيته بادر الاتحاد السوفياتي بتدمير
صواريخه الإستراتيجية بمجرد عودة " غورباتشوف" من مؤتمر مالطا "
- سقوط الأنظمة الشيوعية في أوربا الشرقية ،حيث اغتنمت الديمقراطيات
الشعبية فرصة ما حدث في الاتحاد السوفياتي وبدأت تعمل منذ 1989 على
الانفلات من قبضة المركزية السوفياتية ، وقد شجعها على ذلك المرونة التي
أبداها " غورباتشوف " في هذا الميدان و بذلك تهاوت الأنظمة الشيوعية في
هذه الديمقراطيات.
- سقوط جدار برلين في 09 نوفمبر 1989 ، هذا الجدار الفاصل بين ألمانيا
الشرقية والغربية والذي أقيم في صيف 1961 ومن ثم السماح بتنقل الأفراد
والبضائع ثم تلا ذلك الوحدة الألمانية .
الانعكاسات السلبية :
وتتمثل في: تغيير
السياسة السوفياتية اتجاه العالم الثالث الذي كان يحتمي بالمظلة
السوفياتية من كل الاعتداءات الغربية ، حيث يتلقى الدعم والمساندة الفعالة
، وقد تجلى هذا التغيير في الموقف السوفياتي مما حدث للعراق إثر أزمة
الخليج ، وشن العدوان الأمريكي الأول عليه في 17 جانفي 1991 بتزكية
ومساندة سوفياتية إلى جانب موافقته على قرار مجلس الأمن رقم 665 القاضي
بفرض الحصار الاقتصادي على العراق .
السماح لليهود السوفيات بالهجرة وبأعداد ضخمة إلى إسرائيل بلغت في نهاية
1990 حوالي 200 ألف مهاجر تم نقل العديد منهم بواسطة طائرات دول المعسكر
الشرقي – سابقا- إلى إسرائيل مع تقديم الدعم والتسهيلات التامة لهم .
/ - ضعف الموقف السوفياتي في معترك السياسة الدولية بتبنيه ومؤازرته
وتأييده للمواقف الأمريكية في الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وحتى في
داخل الاتحاد السوفياتي نفسه باستجابته للضغوط الأمريكية التي أجبرته على
تحرير دول البلطيق والسماح لها بالانفصال .
الخاتمة :
لقد تمكن غورباتشوف بفضل تطبيقه لسياسة البرويسترويكا والغلاسنوست
من إذابة جليد الحرب الباردة وإنهائها فعلا خلال مؤتمر مالطا سنة 1989
وبذلك خلص العالم من كارثة حرب عالمية جديدة إلا أن وضع الاتحاد السوفياتي
الداخلي ازداد سوءا وتخلفا عما كان عليه فارتفعت ديونه الخارجية وازدادت
تبعيته للغرب وأصبح المواطن السوفياتي يعاني المشاق الكبيرة من أجل الحصول
على لقمة العيش
.
-------------------------------------------------[/size]