كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - إذا دخل شهر رجب فإنّه يرفع يديه
ليدعو خالقه بقوله الكريم: " اللّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا
رمضان". ويُعدُ يوم الثلاثين من شهر شعبان يوم شك عند المسلمين، فقد
يشاهد هلال رمضان جماعة ولم يشهد برؤيته من لم تقبل شهادتهم، فيبقى
الشك يساور المسلمين: هل هو من رمضان وغرته، أو هذا اليوم مكمل لشهر
شعبان؟ وقد رسمَ هذا الموقف المشكوك فيه الشاعر ابن الوردي قائلا:
قلتُ هِلالُ الصِّيامِ لَيسَ يُرَى
فَلا تَصُومُوا وارْضَوْا بقولِ ثِقَهْ
فغالطُوني حَقِّقُوا فَرَأَوا
وكُـلُّ هذا من قُوّةِ الحَدَقَهْ
ويروى بأن جماعة وفيهم الصحابي أنس بن
مالك- رضي الله عنه- قد حضر لمشاهدة هلال شهر رمضان،وكان عمره قارب
المائة سنة،فقال الصحابي أنس: رأيته هو ذاك وجعل يشير إلى الهلال فلا
يراه أصحابه! وكان القاضي إياس حاضراً مع الجماعة المتطلعة صوب السماء،
وهو ذو فراسة وذكاء، فنظر إلى الصحابي أنس بن مالك- رضي الله عنه- وإذا
بشعرة بيضاء قد انثنت من حاجبه فوق عينيه، فمسحها القاضي، ثم قال
للصحابي أنس: يا أبا حمزة انظر؟ فنظر الصحابي ابن مالك وأجابه: لا
أراه!
ويترقب المسلمون بلهفة وشوق إلى كبد السماء علّهم يلمحون هلال شهر
رمضان المبارك فيقرؤون في قسماته، وعلى جنباته آية الله الكبرى، تحلل
الحلال وتحرم الحرام لينعم المسلمون الصائمون في مشارق الأرض ومغاربها
بهذا الشهر الفضيل الذي يحمل عليهم أجراً كبيراً من الله عزّ وجل.
ويتطلع المسلمون كافة إلى هلال رمضان متوسمين في مطالع أقماره تحقيق
الآمال التي تحياها الأمم، ولديها تترخص الحياة.. فإليك يارب العالمين
ندعوك ها هنا كما دعاك رسولنا العظيم –محمد- صلى الله عليه وسلم وقد
ترامت إلى نظراته الكريمة هلال الصوم المبارك قائلين في بداية الشهر
الكريم: " الّلهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام،
هلال خيرٍ ورُشد، ربّنا وربُّك الله، آمنا بالذي خلقك، اللهم إنّا
نسألك خير ما في هذا الشهر وخير ما بعده…"
وتولي الدول العربية والإسلامية اهتمامها برصد هلال رمضان عناية كبيرة
فترصد مطالعه حتى تتثبت من رؤيته، فيتحقق أول شهر الصيام، ويحق الصيام
فيُعْلَن للنّاس عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة.
وبعدما تثبت رؤية الهلال ويكون ذلك من الليالي الغر المشهورة فتنار
مآذن المساجد والجوامع، وتحتفل الإذاعات، وتعلن التهاني بقدوم شهر
الطاعة وتطلق المدافع ويزداد إقبال المصلين على أداء الفروض وحضور
مجالس الوعظ إثر صلاة العصر، إضافة إلى احتفال الصحف بالشهر الكريم
بتخصيص أعمدة بالمناسبة الكريمة وبالزائر بعد غياب عام.
كان المسلمون قديماً يستزيدون من إنارة المساجد عند رؤية هلال شهر
رمضان فقال أحمد بن يوسف الكاتب العباسي: أمرني الخليفة المأمون، أن
أكتب إلى جميع العمال في أخذ الناس بالاستكثار من المصابيح في شهر
رمضان، وتعريفهم ما في ذلك من الفضل. قال: فما دريت أن أكتب، ولا ما
أقول في ذلك، إذ لم يسبقني إليه أحد، فأسلك طريقه. واتفق أن نمت وقت
القيلولة، فآتاني آت في منامي، فقال اكتب: " فإن في ذلك أُنْسَاً
للسابلة، وإضاءةً للمتهجدين ونقياً لمظان الريب، وتنزيها لبيوت الله ـ
عزّ وجل ـ من وحشة الظلم".
أما شهر الصيام فجاء صيامه على المسلمين بقوله الحقّ في سورة
البقرة/183: " يا أيُّها الَّذين آمنُوا كُتِبَ عليكُم الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ على الَّذين مِنْ قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَقُّوُن".
وفُرِضَ صيام شهر رمضان الكريم على المسلمين في أرض المدينة المنورة
دار الهجرة والإيمان، حيث خرج سيد الكائنات النبي محمد- صلى الله عليه
وسلم - من داره قاصداً المسجد ليخاطب أصحابه وليبشرهم بفرض صيام رمضان،
ومنوِّها بفضائله ونفحاته المتجلية بقوله الكريم: " آتاكم شهر رمضان
خير وبركة،يغشاكم الله فينزل فيه الرحمة ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء
فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عزّ
وجل". وكان النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- يقول عند رؤيته هلال
الشهر الكريم: "اللهم اجعله هلال رشد وخيرا آمنت بالذي خلقك"، ثم
يقول:" الحمد لله الذي ذهب بشهر شعبان وأتى بشهر رمضان".
وكان -صلى الله عليه وسلم - يقف ليخطب في المسلمين في آخر يوم من شهر
شعبان ويقول: " يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة
خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً. مَنْ تَقَرَب
فيه بخطوة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر، والصبر
ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمنين. مَنْ فَطَرَّ
فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من
غير أن ينتقص من أجره شيء ". فقال الناس: يا رسول الله ليس كلنا يجد
ما يفطر الصائم ؟ فأجابه رسول الله عليه الصلاة والسلام: " يعطي الله
هذا الثواب لمن فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مضغة لبن".
وبين الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فضائل خصها الله
عزّوجل الصائمين في شهره فقال: سمعت رسول الله يوم أهل رمضان يقول: "
لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها رمضان". وعن
ثبوت رؤية هلال الصيام، يقول ابن عمر- رضي الله عنهما- عنه عن رسول
الله محمد صلى الله عليه وسلم : " لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا
تفطروا حتى تروه فإن غُمّ عليكم فاقدروا له