تلك اللحظة التي يلقي فيها الإنسان آخر النظرات على الأبناء
...والبنات ..الإخوة والأخوات ...يلقي فيها آخر النظرات على هذه الدنيا
وتبدو على وجهه معالم السكرات وتخرج من صميم قلبه الآهات والزفرات .وجاءت
سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد.
إنها بداية الرحلة إلى الدار
الآخرة ....إنها بداية عظيمة ...إذا ضعف جنانك وكثرت خطوبك ,إذا عرضت عليك
عند كشف الغطاء ذنوبك فتخيل نفسك طريحا بين أهلك وقد وقعت الحسرة وجفتك
العبر وثقل منك اللسان واشتدت بك الإحزان وعلا صراخ الأهل والإخوان ويدعى
لك الأطباء ويجمع لك الدواء فلا يزيدك ذلك إلا هما وبلاء.....
الله أكبر
من ساعة تطوى فيها صحيفتك إما على الحسنات أو على السيئات....تتمنى حسنة
تزاد لك في الأقوال ....وتتمنى صلاحا في الأفعال ربي لولا أخرتني إلى أجل
قريب فأصدق أكن من الصالحين .....تحس بقلب متقطع من الألم ...تحس بالشعور
والندم إن الأيام انتهت وان الدنيا قد انقضت .كل من عليها فان ويبقى وجه
ربك ذو الجلال والإكرام لا حول ولا قوة الا بالله سكنت الحركات ,وخمدت
النبضات وغدت جثة هامدة لا روح فيها كأن لم تغن فيها ,عبد الله تخيل نفسك
هذه الجثة التي يصلى عليها الآن .....إنها لحظة رهيبة ....كيف حالك؟....إلى
أين مآلك؟ ...ماهي أمنياتك ؟......تصور أن المسلمين الآن يصلون عليك
...عليك أنت.
صلى المسلمون على الجنازة وحملوها على الأعناق ...إن كانت
صالحة قالت :قدموني قدموني.وان كانت غير ذلك قالت :يا ويلها أين تذهبون بها
.....إلى المقبرة هناك حيث التربة ...حيث الغربة .....حيث الجماجم...حيث
الدود.......حيث القبور.....أول منازل الآخر.
قد ألبسوك الكفن وحملت إلى
العفن وأخرجت من بين أحبابك وجهزت لترابك وأسلمت إلى الدود وصرت رهينا بين
اللحود وصار القبر مأواك إلى يوم القيامة ومثواك ....
لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد .
فلا
اله إلا الله من ساعة نزلت فيها أول مراحل الآخرة واستقبلت الحياة الجديدة
فإما عيشة سعيدة أو عيشة نكيده, إنها اللحظة التي يحس الإنسان فيها
بالحسرة والألم على كل لحظة فرّط فيها في جنب الله .حتى إذا جاء أحدهم
الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها
ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.
فلا اله الا الله من دار تقارب سكانها
وتفاوت عمارها فقبر يتقلب في النعيم والرضوان العظيم وقبر في دركات الجحيم
والعذاب المقيم ينادي ولا مجيب ويستعتب ولا مستجيب انقطعت الأيام بما فيها
وعاين الإنسان ما كان يقترفه فيها.