سم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. أما بعد ..
إن الله عز وجل لم يُنزل هذا الدين من فوق سبع سماوات ليكون كلاماً يقرأ دون إدراك لمعانيه أو معرفة بهديه ، إنما أنزله الله ليكون نوراً يضيئ حياة البشر ويقودهم إلى الطريق المستقيم و الحياة الهنيئة في ظل رضوانه عز وجل .. ( قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) سورة المائدة / 15 – 16
وفي ظل هذا النور تطيب الحياة ويهنأ العيش ، وأولى الخطوات نحو هذه الحياة الهنيئة هي إيجاد تلك الشخصية المسلمة الصادقة القوية التي تتمثل فيها صورة الإسلام الوضيئة المشرقة ، يراها الناس فيرون الإسلام ويتعاملون معها فيزدادون إيماناً به وإقبالاً عليه .. فيقتدون بها ويقتفون أثرها ويحذون حذوها ..
إنها شخصية قوية و مؤثرة تمثل الإسلام قولاً ومنهجاً وسلوكاً تطبقه في شتى ميادين الحياة ..
تكون قدوة حسنة للآخرين أينما حلت وارتحلت ، تعلن الدين بتطبيقه وتنشر الحق بالتمسك به ونشره بين الناس ..
وقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون للمسلمين تلك القدوة الحسنة ، وللبشرية في كل زمان ذلك السراج المنير وللخلق أجمع النور الهادي إلى سواء السبيل ..
قال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) سورة الأحزاب / 21
( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ) سورة الأحزاب / 45 – 46 .
وجعل الله في شخص نبينا الكريم الصورة الكاملة للمنهج الإسلامي ليكون للأجيال المتعاقبة الصورة الحية للشخصية المسلمة المؤثرة التي تؤثر على من حولها بأقوالها وأفعالها ، وهذا ما صنعه رسول الله في صدر الدعوة إلى الله ، إذ كانت أولى خطواته في درب الإسلام الطويل أن يربي رجالاً يتجسد فيهم الإسلام ، فإذا هم مصاحف تمشي على الأرض انتشروا في أنحاء الدنيا فرأى الناس فيهم نماذج فريدة من البشر ، يمثلون منهجاً للحياة فريداً أيضاً ، فلما رأوا المنهج الفريد مجسداً في الفرد المؤمن الصادق أقبلوا يدخلون في دين الله أفواجاً ..
ولذلك فإن رأس الأمر في القدوة والأسوة الحسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا، يقول عبدالواحد بن زياد: "ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم عنه". ولما نبذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه وقال: "إني اتخذت خاتماً من ذهب" فنبذه وقال: "إني لن ألبسه أبداً" فنبذ الناس خواتمهم فدلَّ ذلك على أنَّ الفعل أبلغ من القول.
ونحن ـ كما أسلفت ـ في هذه الفترة العصيبة التي تمر على الأمة من الضعف والهزيمة، نحتاج أن نحقق في أنفسنا أنموذج التطبيق الصحيح لهذا الدين؛ لكي يحقق الله لنا النصر والتمكين ونسد على المتربصين أعداء الدين منافذ تسلطهم وسطوتهم باسم الإصلاح وحفظ الحقوق. فهذا خليل الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ لما جعله الله إماماً للناس يقتدى به قال: {ومن ذريتي} أخبره الله تعالى أنَّ فيهم عاصياً وظالماً لا يستحق الإمامة، فقال: {لا ينال عهدي الظالمين} فإذا أردنا أن يحفظ الله لنا ديننا ويستتب أمننا ونردّ كيد أعدائنا، فلنقم هذا الدين علماً وعملاً ومنهجاً لحياتنا وسلوكنا.
إذ إن المسلم القدوة أشد على أعداء الدين من كل عدة، ولذلك لما تمنى الناس ذهباً ينفقونه في سبيل الله، كانت مقولة عمر بن الخطاب: "ولكني أتمنى رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، فأستعين بهم على إعلاء كلمة الله". فعسى إن كنا على مستوى حسن الأسوة والتأسي أن يمكن لنا في الأرض وأن يجعلنا أئمة ويجعلنا الوارثين.
فيا لله ما أعظم تأثير شرع الله على شخصية الإنسان وما أقوى تأثير من طبق هذا الشرع في حياته على حياة من حوله ..
واليوم ..
كم نحن في أمس الحاجة إلى صنع هذا النموذج الفريد من البشر الذي لا تطيب الحياة إلا به ولا تتجلى حقيقة دين الله إلا فيه ..
كم نحن بحاجة إلى مثل أعلى وقدوة حسنة تجذب إليها الناس فيقتـفون أثرها ويحذون حذوها ..
وكم نعاني من غياب تلك الشخصيات المؤثرة التي ارتوت من منهل الإسلام العذب ..
وما بلغنا هذا الحال من غياب القدوات والشخصيات السوية و التردي والتخلف والفرقة بين صفوف المسلمين وتسرب سموم الدعوات الجاهلية إلى مجتمعاتهم حتى جعلتهم كغثاء السيل ( إلا من رحم ربي ) ، إلا بأسباب هي من عند أنفسنا نحن !!
أذكر منها :
1- البعد عن دين الله عز وجل وعدم فهمه الفهم الصحيح وقلة تطبيقه .
2- غلبة الأهواء وسيطرتها فأصبحت هي الموجه والمؤثر .
3- إيثار المصالح العاجلة والتباطؤ والتثاقل و إيثار الدنيا .
4- قلة العلماء العاملين والدعاة الصادقين .
5- الافتقار إلى الدعوة العملية فبين صفوف العلماء والدعاة هناك غياب القدوة في التطبيق .
6- ضعف الإخلاص و ظهور التناقض بين الباطن والظاهر ، والسراء والضراء .
7- كثرة الفتن والصوارف مع قلة مجاهدة النفس والصبر .
8- التبعية الفكرية والسلوكية لأعداء الإسلام الذين استطاعوا إفساد شخصية المسلم بمغرياتهم وتطبيعها بطابعهم .
كل تلك الأسباب وغيرها انعكست على سلوك الكثير من الناس وجعلتهم أصحاب همم سفلية لا ترقى للمعالي فأصبحوا يتأثرون بمن هم مثلهم في الهمم والأهداف ، من أصحاب السوء ورايات الفساد في الأرض ممن لا يرجون لله وقارا وما قدروا الله حق قدره !!
وحتى نعالج ما نحن فيه من ضياع وغرق انتكاس لابد أن نعود إلى منهج الله القويم ، ونعرف واجبنا في حمل رسالتنا الخالدة و نمثلها عقيدة وسلوكاً ، ثم ليبدأ كل واحد منا بنفسه وليجاهدها لتكون نموذجاً حياً للإسلام .
فكم نحن بحاجة إلى تلك النماذج الحية المباركة التي يتأثر بها أبناءنا وبناتنا وتجذبهم نحو الأفضل ، فالناس يتفاوتون في التأثير والتأثر ..
ولنبدأ بالأم كمؤثر تربوي أساسي في المجتمع
فكيف تستطيعين أيتها الأخت الفاضلة التأثير على أولادك وعلى من حولك للصلاح و صرفهم عن مواطن السوء ؟؟
أخيتي ..
لتعلمي أن الطفل بمثابة الراصد الذي يلتقط كل ما يدور حوله فإن كانت الأم صادقة أمينة خلوقة ،كريمة ، شجاعة ، عفيفة ، نشأ ابنها على هذه الأخلاق الحميدة والعكس نجده إذا كانت الأم تتسم بسمات عكس السمات السابقة كأن تكون كاذبة جبانة غير خلوقة فينشأ الطفل على الكذب والخيانة والجبن .
لأن الطفل مهما كان استعداده طيبا ومهما كانت فطرته نقية طاهرة سليمة صافية فإنه ما لم يوجه التوجه السليم وما لم يجد القدوة والنموذج الموجه الصالح فإنه بلا شك سينحرف إلى الجانب السلبي من جانب شخصيته وصدق رسول الهدى عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى عندما قال :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه مسلم .
نعم هي فطرة سليمة نقية لكن عوامل التربية والتوجيه من القدوة التي أمام بصره هي التي تلعب الدور الفعال في جعل الطفل يستمر على فطرته التي ارتضاها الباري له أو ينحرف وينسلخ إلى اتجاهات عقائدية مغايرة لتلك الفطرة .إن الأم الواعية الحريصة على الأمانة التي أسندها الباري إليها في قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8] ، لابد لها من أن تستقي من كتاب الله وسيرة رسوله العطرة المبادئ للقدوة الحسنة .
ولها في تلك المصادر أروع الأمثلة نذكر منها بعض ما ورد في السنة :
فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت يا عبد الله تعال حتى أعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه، فقالت أردت أن أعطيه تمراً فقال : " أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتب عليك كذبة." رواه أبوداود .
فلا بد من أن تنتبهي يا رعاكِ الله إلى كل تصرفاتك وكلماتك مع من تتعاملين معهم ..
من الأمثلة من واقعنا المعاصر أيضاً قصة هذه الطفلة:
انتهت الأم من الوضوء وإذا بطفلتها البالغة من العمر ثلاث سنوات تغسل وجهها ويديها مقتدية بأمها، وترفع إصبعها السبابة قائلة: لا إله إلا الله، فهذا يدل على أن الطفلة لاحظت من والديها أن هناك ذكر مخصص يقال بعد الوضوء.
وقصة أخرى: أدت إحدى الأمهات سنة الوضوء- في أحد الأيام- وقامت لإكمال عملها في المنزل، وقد اعتادت طفلتها أن ترى والدتها بعد الصلاة تجلس في مصلاها حتى تنهي أذكار ما بعد الصلاة، ولكن الطفلة لاحظت على والدتها النهوض من المصلى بعد أداء السنة مباشرة، فقالت لها: لماذا قمت من مصلاك قبل أن تقولي: استغفر الله. هذا الموقف يدل على شدة مراقبة الأطفال لوالديهم.
لذلك فعلى الأم أن تسلك مع أطفالها جميع السبل التي سلكها الهادي البشير مع الأطفال، وعليها أن تتحلى بها في حياتها اليومية لينشأ وليدها على الأخلاق الفاضلة ، ويتربى على المكارم ولينشأ على العقيدة الإسلامية الراسخة والخلق القرآني الرفيع .
وعندما تريد تعويده على الرحمة فلا بد وأن تبدأ هي بالقيام بالأعمال التي تشعر طفلها بمدى رحمتها وعطفها وحنانها ، كأن ترحم الضعيف ، وتعطف على المسكين ، وتعين الفقير ، وترأف بالحيوان .
فالأم عندما تقوم بمثل الأعمال أمام طفلها فإنها تغرس في نفسه أهم مبادئ المحبة والتعاون والأمانة والصدق وبهذا تنمي الجانب الأخلاقي في طفلها .
والطفل الذي يرى والدته تكذب وتغش فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتعلم الصدق والأمانة في يوم من الأيام.
والأم التي تكون في تبهرج وميوعة واستهتار لا يمكن أن يتعلم ابنها الفضيلة وحسن الخلق.
والأم التي تتلقط بالعبارات الهدامة وتستهزئ بالغير وتتسم بالغضب والانفعال والقسوة ؛ لا يمكن أن يكون طفلها على درجة من الأخلاق ولا يمكن أن ينطق بجميل عبارة ولا يمكن أن يتسم بالاتزان في تصرفه وصدق الشاعر حينما قال :
وهل يرجى لأطفال كمال*** إذا ارتضعوا ثدي الناقصات
وبعد هذا الحديث الموجز عن أثر الأم التربوي ننتقل لنتحدث عن تأثير الداعية في مجتمعها
فكيف تستطيعي أخيتي الداعية سواءً كنتِ موظفة أو متفرغة التأثير على من حولك ودعوتهم إلى الخير ؟؟
لا شك يا أختي الحبيبة أن التأثير لا يأتي عفواً ولا عرضاً،كما أنه قطعاً لا يفرض فرضاً،بل هو مرتبط بمؤهلات ومواصفات لابد للداعية منها لتكون له شخصيته المؤثرة ومنها :
** التميز الإيماني والتفوق الروحاني ، الذي يكون الداعية به عظيم الإيمان بالله،شديد الخوف منه،صادق التوكل عليه،دائم المراقبة له،كثير الإنابة إليه ، لسانه رطب بذكر الله،وعقله مفكر في ملكوت الله ، وقلبه مستحضر للقاء الله ، مجتهد في الطاعات ، مسابق إلى الخيرات ، مع تحري الإخلاص التام وحسن الظن بالله - ، وهذا عنوان الفرح وسمت الصلاح ومفتاح النجاح ، إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله ، وهي التي تجلب التوفيق من الله فإذا بالداعية مسدد.. أن عمل أجاد،وأن حكم أصاب،وأن تكلم أفاد.. ومثل هذا ينطبق عليه وصف السلف بأنه"من تذكرك بالله رؤيته".
**الزاد العلمي والرصيد الثقافي ، حتى يجد الناس عند الداعية إجابة التساؤلات ، وحلول المشكلات ، إضافة إلى أن ذلك هو العدة التي بها يعلّم الداعية الناس أحكام الشرع ، ويبصرهم بحقائق الواقع ، وبه أيضاً يكون الداعية قادر على الإقناع،وتفنيد الشبهات،متقناً في العرض ومبدعاً في التوعية والتوجيه.
**رجاحة العقل وحسن التدبير، فلا سذاجة تضيع بها معاني القيادة،ولا غضب يشوه صورة القدوة ، ولا طيش ولا خفة تطمس معالم الهيبة..
والناس يلتفون حول من يعين محتاجهم،ويغيث ملهوفهم ،
ويتفقد غائبهم،ويؤثروهم على نفسه،ويفيض عليهم من حبه ،
ويقوي صلته بهم بالأخوة،ويعمق الامتنان بالإحسان
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما أستعبد الإنسان أحسان
**الاستمرار والابتكار، فالعمل المنقطع يتبدد أثره،والعمل المتكرر يبعث الملل ويفقد الحماس،وتنويع الأساليب باعث
على التشويق ، ودليل على الإثراء وكثرة العطاء .
هذه بعض الملامح، فهل يعي الدعاة أن الضعف في التأثير والتغيير يكون في بعض الأحيان عائداً إلى قصورهم ،
وعدم استكمالهم لمعالم الشخصية المؤثرة ..!!
أثر القدوة
( القدوات الكبار بين التحطيم والإنبهار، د. محمد الشريف، 1423)
1ـ حسن الإقتداء
الناس مفطورون على الإقتداء بغيرهم وانتهاج ما يستحسنوه من سلوك في بيئتهم بغية الإرتقاء نحو الأعلى والأسمى والأكمل .
2ـ بث العزة في النفوس
كلما يقف الإنسان على عظمة في خلق او سلوك فيمن جعله قدوة له ، دب الحماس في نفسه والعزة في مسلكه رجاء أن يرتقى مرتقاً يرجوه ويأمله مثلهم.
وكل من شعر واستقر في وجدانه أن له ماضي عظيم كثر فيه العظماء والأخيار والفضلاء علت همته وتطلع لعودة ماضيهم على يديه.
3ـ احسان واتقان العمل.
القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل الممتازة تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة.. لأن بعض الناس يرون أن بعض الأمور مستحيلة الوقوع لأنهم لم يعالجوا قدراتهم للقيام بها فإذا شاهدوا غيرهم يفعلها أخذوا يطوعون قدراتهم حتى يكسبوها المهارات المطلوبة لذلك العمل بالمعالجة والمحاكاة والتدريب .
4ـ الدلالة على مكامن العظمة في هذا الدين وإمكان تطبيقه في كل زمان ومكان.
إن الوقوف على أحوال القدوات بدءأ من الصحابة إلى من جاءوا بعدهم بإحسان إلى يوم الدين ، ومعرفة رقيهم في الآداب والسلوك والأخلاق والعلوم ..سوف يمكننا أن ننادي في الدنيا بأن الدين يكفل لكل من أراد أن يأخذ بتعاليمه الإرتقاء والعلو والرفعة عن سفاسف الأمور وعن كل الشرور والمفاسد الدنيوية.
5ـ إن القدوة الحسنة تقدم واقعا يغني عن الكثير من أساليب التبليغ والتأثير.
الإعجاب لا ينبت في النفس من فراغ ولا من صدفة ولا من عشوائية فالعقول النضرة لا تعجب بالعقول المتخلفة ؟ والأخلاق الحسنة لا تستهويها الرذائل الأخلاقية؟
إنه من الغباء أن ننتظر أن أحدا يؤمن بنا عقب إنتصار في معركة جدل أو انتصار في موقف حرب.
المقهور قد يستسلم راضيا أوساخطا لكنه لن تبعك بإخلاص ولن يحتوي صدره الشعور نحونا بالوفاء ولن يشاركنا الفكر أبدا .
إن ما يبعث على الإقتداء هو الإعزاز والإكبار والتقدير وهي عناصر تتجمع كحبات المطر فإن أجتمعت كونت السيل الدافق الكاسح في كامل الوجدان .وهو يتسلل في الحنايا بالإحتواء.
وخلاصة الأمر أن الشخصية المؤثرة لكي تتمكن من التأثير على الأشخاص وتغرس معالم التربية الجسمية والخلقية والروحية، ولكي تكون قدوة حية متحركة في المنزل والمجتمع من حولها ولكي تكون نموذجاً رفيعاً لما تلقنه من القيم والمبادئ وما تصوره من المثل ومكارم الأخلاق، لابد لها أن تكون صورة تعكس حقيقة السلوك الذي تنادى به وتحث الناس على ضرورة الالتزام به حتى لا يقع من حولها في تناقضات خطيرة ، فيختلط عليه الأمر وتلتبس عليه الحقائق والمفاهيم فلا يستطيع وقتها بل لا يعد قادراً على التمييز بين الزائف والصحيح ... !!
نصائح وتوجيهات لكل موفقة اصطفاها الله جلَّ وعلا لتكون أسوة تحتذى ومنارة للهدى:
إنَّ الذي ينحدر للتهافت على الملذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً في القاع، وأما من يرقى في سلم الطاعات ومجاهدة الملذات؛ فذلك صاحب الإمامة في الدين وقدوة المتقين ومضرب الأمثال للعالمين، وإن كانت امرأة {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ}.. وكذلك {َمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا..}.
فلذلك أيتها الموفقة، يا من هداك إلى طاعته وبيَّن لك سبيله، يا طالبة العلم الشرعي، يا من نشأت في بيوت الصلاح والدعوة، يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية، يا نساء بيوت العلم والصحوة.
إلى المثل التي يحتذي بها غيرها من النساء، إلى القدوة الصالحة لغيرها من المؤمنات، إلى المثال الحي الواقعي لحياة ملأتها المغريات والملهيات؛ حتى ظنَّ بعض المفتونات أنَّ بلوغ ذلك المستوى من تكوين الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من الأمور المستحيلة.
وإليك ـ أختي القدوة الداعية بأفعالك ـ هذه التوصيات والتنبيهات:
1ـ الحذر من التساهل الذي يفتن العامة ويلبس عليهم، مثل الأخذ بالرخص وبعض أقوال أهل العلم الشاذة أو المرجوحة. ولما نهى عمر رضي الله عنه عبدالرحمن بن عوف عن لبس الخفين في الحج ـ أخذاً بالرخصة في ذلك ـ؛ لخشية عمر أن يتوسَّع الناس في ذلك، قال له: "عزمت عليك إلا نزعتهما، فإني أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك". ومن ذلك في الوقت الحاضر: تساهل كثيراً من الخيرات، بل وبعض طالبات العلم الشرعي في ركوب السيارة مع السائق لوحدها وحصول الخلوة بذلك؛ أخذاً بقول بعض من رخص، وكذلك التساهل في الوقوع في بعض الأمور المستحدثة التي ترجح تحريمها، كما في مسألة تشقير الحاجبين ليبدوا أدق قريباً من وصف النمص، وذلك مما أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء بعدم جوازه.
بل إن صاحبه الأسوة الحسنة قد تحتاج إلى ترك بعض المباحات أو التقليل منها؛ احتياطاً لأمر دينها وبعداً عن الشبهات وصيانة لنفسها عن مواطن سوء الظن؛ لأنَّ ذلك ينفر الناس من الاقتداء بها. ككثرة المزاح والضحك وكثرة الخروج والزيارات وامتدادها الساعات الطويلة بغير حاجة ولا مبرر شرعي.
2 ـ إنَّ مما يساعد المرأة المسلمة على الارتقاء بذاتها إلى درجة القدوة: أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها وسلفها الصالح ـ من بعض من تلقاه من الصالحات العالمات بدينهن مثلاً تقتدي به؛ لأنَّها لا بدَّ وأن تجد فيمن عاشرته وتلقت عنه سمتا وهديا فائقا يجذبها إليه، فتستطيع من خلال التأمل أن تقف على أفضل ما يحمله من حولها من الصالحين والصالحات من صفات، ثم تستلهم من ذلك الدافع القوي لتربية ذاتها .
3 ـ لا بدَّ وأن تكوني واضحة وصادقة مع نفسك لاكتشاف نوعية التصرف والخطأ الذي لا يصلح معه أن تكوني قدوة ويسقط هيبتك الدينية، ومن ثم انتفاعهم بكلامك، بل قد يكون ذلك سبباً في فتنة الآخرين وضلالهم تأسياً بخطاك ..
4ـ الحذر من بعض الأمور الدارجة في هذا العصر، والتي تهافت عليها الكثير من النساء لقصورهم العلمي ونقص ديانتهم، فأصبحت في بعض المجتمعات والأسر من المشاهد والظواهر المألوفة، مع مخالفتها الصريحة للدين وبيان حكم تحريمها،
ومن ذلك : أ ـ ما يتعلق بالمظهر واللباس، سواء في لبس الحجاب عند الخروج، أو لبس الثياب والزينة عند النساء وتقليد كل ماهو رديء مما يُنشر عبر الفضائيات ، فأما مظاهر القصور والخلل في الحجاب متنوعة، منها: التساهل في لبس النقاب الواسع والبرقع، وانتشار ذلك، ولبس العباءة على الكتف والجلباب، والتساهل في ستر القدمين والساق بالجوارب، ولنا في عائشة رضي الله عنها أسوة حسنة عندما كانت تشدّ خمارها حياء من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ميت في قبره عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه.
ب ـ كثرة الخروج للأسواق والتجوال بها، وكذلك الملاهي والمطاعم التي يكثر فيها المنكرات وتجمع الفساق. والأصل قرار المرأة في بيتها لغير حاجة شرعية {وقرن في بيوتكن}.
ج ـ السفر بغير محرم، وفي الحديث المتفق عليه: "لا يحل لامرأة أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم".
د ـ الخلوة مع الرجل الأجنبي، كالبائع في المحل والطبيب في العيادة والسائق في السيارة؛ لحديث "لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما".
هـ ـ التعطر عند الخروج من المنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقديم العطر والبخور لهن ومنهن من ستركب سيارتها مع سائق أجنبي يجد ريحها، ونسيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت فمرَّت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية".
و ـ الاختلاط بالرجال في البيوت بالجلسات الأسرية، أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم، والسماح للبنات بمخالطة الشباب الذكور من الأسر القريبة، مع غياب الغيرة على الأعراض وعدم مراقبة المولى جلَّ وعلا.
ز ـ الإسراف العام في شؤون الحياة، والمبالغة في الاهتمام بالتوافه من أمر الدنيا، كتزيين المنازل واقتناء الأواني والإسراف في الملابس والحلي والولائم، على وجه التفاخر والتكاثر المحرَّم والذي غرق فيه أرباب الدنيا ـ نسأل الله العافية ـ.
5 ـ إنَّ الفرق الذي بيننا وبين أسلافنا وقدواتنا الصالحة أنَّ المسلمات كنَّ جميعاً قدوات بعضهن لبعض {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ..}؛ وذلك بسبب قوة علاقتهن بالله تعالى، "ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف".. كانت القلوب بالله متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا الدين.
وفي الختام أخاطب أختي المسلمة فأقول:
انظري إلى نفسك: هل تريد الدنيا أم الآخرة؟
فإن كانت تريد الدنيا فروّضيها على حبّ الآخرة، وجاهديها على الاستعداد لها وأكثري الدعاء. وإن كانت تريد الآخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصالح واضربي أروع الأمثلة وأرقى النماذج للمسلمات من بنات عصرك.وتذكري أنه ( من كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد )
تأملي سيرة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم القدوة، ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إلى الله والدار الآخرة، وكذلك سير أسلافك من الصالحين العابدين العالمين من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ همتك ودفعاً لنفسك للتأسي بهم.
سائلين ربنا ومولانا جلَّ وعلا أن يتولانا فيمن تولى من عباده الصالحين، ويدخلنا برحمته في زمره أوليائه أئمة الهدى، ونسأله جلَّ وعلا أن يجعلنا للمتقين إماماً.
__________________________
أختكم /
لاتنسو التعليقات