تمشون في جنائزهم، وكأن هؤلاء الأموات ما كانوا يوماً أحياء مثلكم، في قلوبهم آمال أكبر من آمالكم، ومطامع أبعد من مطامعكم ؟.
لماذا يطغى بسلطانه صاحب السلطان، ويتكبر ويتجبر يحسب أنها تدوم له؟ إنها
لا تدوم الدنيا لأحد، ولو دامت لأحد قبله ما وصلت إليه. ولقد وطئ ظهرَ
الأرض من هم أشد بطشاً، وأقوى قوة، وأعظم سلطاناً؟ فما هي ... حتى واراهم
بطنها فنسي الناس أسماءهم !.
يغتر بغناه الغني، و بقوته القوي، وبشبابه الشاب، وبصحته الصحيح، يظن أن ذلك يبقى له... و هيهات..!
و هل في الوجود شيء لا يدركه الموت ؟!
البناء العظيم يأتي عليه يوم يتخرب فيه، ويرجع تراباً، والدوحة الباسقة
يأتي عليها يوم تيبس فيه، وتعود حطباً، والأسد الكاسر يأتي عليه يوم يأكل
فيه من لحمه الكلابُ، وسيأتي على الدنيا يوم تغدو فيه الجبال هباءً، وتشقق
السماء، و تنفجر الكواكب، و يفنى كل شيء إلا وجهه.
يوم ينادي المنادي: {لمن الملك اليوم}
فيجيب المجيب: {لله الواحد القهار}
لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الموت.
فاذكروا الموت لتستعينوا بذكره على مطامع نفوسكم، وقسوة قلوبكم، اذكروه
لتكونوا أرق قلباً وأكرم يداً، وأقبل للموعظة، وأدنى إلى الإيمان، اذكروه
لتستعدوا له، فإنّ الدنيا كفندق نزلت فيه، أنت في كل لحظة مدعو للسفر، لا
تدري متى تدعى، فإذا كنت مستعداً: حقائبك مغلقة وأشياؤك مربوطة لبيت وسرت،
وإن كانت ثيابك مفرقة، وحقائبك مفتوحة، ذهبت بلا زاد ولا ثياب، فاستعدوا
للموت بالتوبة التي تصفي حسابكم مع الله، و أداء الحقوق، ودفع المظالم،
لتصفوا حسابكم مع الناس.
و لا تقل أنا شاب... و لا تقل أنا عظيم... و لا تقل أنا غني..
..
فإن ملك الموت إن جاء بمهمته لا يعرف شاباً ولا شيخاً، ولا عظيما ولا حقيراً ولا غنياً ولا فقيراً ..
و لا تدري متى يطرق بابك بمهمته ....!!