كم اقشعر لها جسدي وكأنني أقرأها أول مرة في حياتي! فالله ربي يدعونا نحن الغافلين المذنبين إلى الجنة دار السلام..! ويقول لنا {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ...} ويعدنا ووعده الحق أن هناك لا نصب ولا تعب ولا حزن في تلك الجنّة جعلنا الله من أهلها، ثمّ جاءت الآية التي تليها تسوق لنا عاقبة الذين كسبوا السيئات! فوصفت لنا حالهم ومآلهم نعوذ بالله أن نكون منهم! ونحنُ ما زلنا نعيش في هذه الغفلة، وما زالت قلوبنا متحجرة إلا من رحم ربي!! نمرّ على هذه الآيات وغيرها دون استشعار معانيها! ما زالت تلهينا حياتنا الدنيا ومتاعبها وهمومها وأحزانها وحتى أفراحها!! وما زلنا نقصر في طاعة ربنا ونسوّف!! ويا حسرتي على نفسي والذنوب والتسويف!! الله المستعان!!
فأحببتُ أخواتي أن تشاركوني في قراءة تفسير هذه الآيات العظيمة، لعلّ قلوبنا ترق وتستشعر معانيها!
يقول السعدي في تفسيره: { 25 - 26 } { وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } .عم تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام، والحث على ذلك، والترغيب، وخص بالهداية من شاء استخلاصه واصطفاءه، فهذا فضله وإحسانه، والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته وليس لأحد عليه حجة بعد البيان والرسل، وسمى الله الجنة "دار السلام" لسلامتها من جميع الآفات والنقائص وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه، وحسنه من كل وجه.
{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . ولما دعا إلى دار السلام، كأن النفوس تشوقت إلى الأعمال الموجبة لها الموصلة إليها، فأخبر عنها بقوله: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } أي: للذين أحسنوا في عبادة الخالق، بأن عبدوه على وجه المراقبة والنصيحة في عبوديته وقاموا بما قدروا عليه منها، وأحسنوا إلى عباد الله بما يقدرون عليه من الإحسان القولي والفعلي، من بذل الإحسان المالي، والإحسان البدني والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الجاهلين، ونصيحة المعرضين، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان. فهؤلاء الذين أحسنوا، لهم "الحسنى" وهي الجنة الكاملة في حسنها و "زيادة" وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه والفوز برضاه والبهجة بقربه، فبهذا حصل لهم أعلى ما يتمناه المتمنون، ويسأله السائلون. ثم ذكر اندفاع المحذور عنهم فقال: { وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ } أي: لا ينالهم مكروه، بوجه من الوجوه، لأن المكروه إذا وقع بالإنسان، تبين ذلك في وجهه، وتغير وتكدر. وأما هؤلاء - فهم كما (1) قال الله عنهم - { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيم } { أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ } الملازمون لها { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لا يحولون ولا يزولون، ولا يتغيرون.{ 27 } { وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } . لما ذكر أصحاب الجنة ذكر أصحاب النار، فذكر أن بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي الأعمال السيئة المسخطة لله، من أنواع الكفر والتكذيب وأصناف المعاصي، فجزاؤهم سيئة مثلها أي: جزاء يسوؤهم بحسب ما عملوا من السيئات على اختلاف أحوالهم. { وَتَرْهَقُهُمْ } أي: تغشاهم { ذِلَّةٌ } في قلوبهم وخوف من عذاب الله، لا يدفعه عنهم دافع ولا يعصمهم منه عاصم وتسري تلك الذلة الباطنة إلى ظاهرهم، فتكون سوادًا في الوجوه (1) . { كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } فكم بين الفريقين من الفرق، ويا بعد ما بينهما من التفاوت؟! { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ }
.............................انتهى التفسير
فأي الفريقين سنختار !!!
أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الجنة وأن يجيرنا من عذاب وخزي جهنّم...وأن يعفو عنا ويغفر لنا ويرحمنا برحمته...