الجنس : عدد المساهمات : 592 نقاط : 1431 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 26/04/2011 العمر : 32 الموقع : la.moussa@yahoo.fr
موضوع: المستغفرون بالآسحار الثلاثاء مايو 31, 2011 11:32 pm
الاستغفار هو طلب المغفرة من العزيز الغفار وطلب الإقالة من العثرات من غافر الذنب وقابل التوب قال ابن الأثير : في أسماء الله تعالى الغَفّار والغَفور ، وهما من أبنية المبالغة ، ومعناهما الساتر لذنوب عباده وعُيوبهم المُتجاوِز عن خطاياهم وذنوبهم . وأصل الغَـفْـر التغطية . يقال : غفر الله لك غفراً وغفراناً ومغفرة . والمغفرة إلباس الله تعالى العفو للمُذنبين . انتهى . قال ذو النون المصري : الاستغفار جامع لِمَعانٍ : أولهما : الندم على ما مضى الثاني : العزم على الترك والثالث : أداء ما ضيعت من فرض الله الرابع : رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها الخامس : إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام السادس : إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية . وبالاستغفار تُختتم العبادات ليُقر العبد بتقصيره فيُغفر له ذنبه قال سبحانه في الحج : ( ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) وفي الأسحار عند الفراغ من قيام الليل : ( كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) وأثنى الله على المستغفرين بأوقات السحر فقال: ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ ) ويكون الاستغفار عند جموح النفس لمواقعة الذّنب ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) وقال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا )
والاستغفار جاء على ألسنة أنبياء الله ورسله فعلى لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوه ُ) وقال على لسان نبيّه هود عليه الصلاة والسلام : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ) وجاء على لسان صالح عليه الصلاة والسلام : ( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ ) وعلى لسان شعيب عليه الصلاة والسلام ( وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ )
وبه تُفتّح مغاليق الأمور قال سبحانه وتعالى على لسان نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ )
وبالاستغفار تُستمد الأرزاق ، ويُستكثر من المال والولد ، وتُستمطر الرّحمات . قال جل جلاله على لسان نوح عليه الصلاة والسلام : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا )
وبالاستغفار يُودّع الميت . ولذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ؛ فإنه الآن يسأل . رواه أبو داود .
وبالاستغفار تتحاتّ الخطايا والذنوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثا غُفرت ذنوبه وإن كان فارّاً من الزحف . رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه .
قال ابن عيينة : غضب الله داء لا دواء له . وعقّب عليه الإمام الذهبي بقوله : دواؤه كثرة الاستغفار بالأسحار والتوبة النصوح .
وقد كان الذي غُفِر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر عليه الصلاة والسلام يقول : والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة . رواه البخاري .
وقال عليه الصلاة والسلام : إنه ليُغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة . رواه مسلم .
قال الإمام النووي : والمراد هنا ما يتغشى القلب . قال القاضى : قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه فإذا فَتَرَ عنه أو غفل عدّ ذلك ذنبا واستغفر منه .
وروى مكحول عن أبي هريرة قال : ما رأيت أكثر استغفاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال مكحول : ما رأيت أكثر استغفارا من أبي هريرة . وكان مكحول كثير الاستغفار .
فَحَريٌّ بنا ونحن نودّع عاماً ونستقبل آخر جديد أن نودّع هذا بالاستغفار ونستقبل ذاك بالاستغفار . نستقبله باستغفار الصادقين
قال القرطبي : قال علماؤنا : الاستغفار المطلوب هو الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان ، فأما من قال بلسانه : استغفر الله ، وقلبه مُصِرٌّ على معصيته فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار ، وصغيرته لاحقةٌ بالكبائر . وروي عن الحسن البصري أنه قال : استغفارنا يحتاج إلى استغفار .
قال بكر عبد الله المزني : أنتم تكثرون من الذنوب فاستكثروا من الاستغفار ، فإن الرجل إذا وجد في صحيفته بين كل سطرين استغفار سرّه مكان ذلك .
قال سفيان الثوري لجعفر بن محمد بن علي بن الحسين : لا أقوم حتى تحدثني . قال له جعفر : أنا أحدثك ، وما كثرة الحديث لك بخير . يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقائها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر عليها ، فإن الله عز وجل قال في كتابه : ( لئن شكرتم لأزيدنكم )
وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار ، فإن الله تعالى قال في كتابه : ( استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا ) يا سفيان إذا حَزَبَك أمرٌ من سلطان أو غيره فأكثر من : لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنها مفتاح الفرج ، وكنز من كنوز الجنة . فعقد سفيان بيده وقال ثلاث ونصف ثلاث . قال جعفر : عقلها والله أبو عبد الله ، ولينفعنه الله بها .
وفي وصية علي بن الحسن المسلمي : وأكثر ذكر الموت ، وأكثر الاستغفار مما قد سلف من ذنوبك ، وسل الله السلامة لما بقي من عمرك .
قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجلّ: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم" وهذا دليل على حاجة العبد لربه -سبحانه- لأنه يخطئ بالليل والنهار والاستغفار إقرار بعبودية العبد لربه، وذل منه إلى المعبود. وقد أثنى الله تعالى على عباده المستغفرين بالأسحار فقال: [الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار]. فهم يدعونه سبحانه تعالى بالأسحار، يسألونه، ويستغفرونه دائبين دائمين. وإنما فعلوا ذلك لأن الأسحار أوقات تنزلات رب العزة، وفتحه أبواب العطاء والجود والرحمة على وجه أكبر وأعظم. روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتنزّل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيبَ له؟ من يسألني فأعطيَهُ، من يستغفرني فأغفرَ له" وفي رواية لمسلم "من يُقرِض غير عديم ولا ظلوم؟ حتى يطلع الفجر" وفي رواية لغيرهما "هل من تائب فأتوبَ عليه: من ذا الذي يسترزقني فأرزقَه؟ من ذا الذي يستكشف الضر فأكشفَ عنه، ألا سقيم يستشفي فيُشفى؟". فالله تعالى يتجلى على عباده وقت السحر بالغفران والعطاء والإحسان وإجابة الدعاء وتحقيق الرجاء، فلا يُرَدُّ فيه سائل، ولا يخيب فيه آمل. وروى عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عزّ وجل في تلك الساعة فكن". وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أيُّ الدعاء أسمع؟ أي أرجى إجابة. قال صلى الله عليه وسلم : "جوفَ الليل، ودُبُرَ الصلوات المكتوبات" أي وراء الصلوات المفروضة.
وفي رواية "أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد". فيا أخي الحبيب في كل يوم ساعات رائعات، فاغتنمها في وقت السحر حيث الناس نيام يغطون في سبات عميق ونوم ثقيل، أما أنت وإخوانك فتقفون أمام الله، تتذللون، وتتضرعون، وتقبلون على الله سبحانه، تناجونه، وتتقربون إليه، وتستغفرونه وتسألونه الرحمة والغفران، والقبول وحسن المآل، وهو غفار الذنوب، ستار العيوب. جابر العثرات، لا يرد سائله سبحانه. قال نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً: كان ابن عمر يحي الليل صلاة ثم يقول: يا نافع أسْحَرْنا؟ أي هل دخلنا في السحر فأقول لا. فيعاود الصلاة، فإذا قلت له نعم: أي دخلنا في السحر قعد يستغفر الله تعالى حتى الفجر وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يخرج من ناحية داره مستخفياً وقت السحر، وفي رواية: كان يُسمَعُ ذلك من داره وقت السحر فيقول: اللهم إنك دعوتني فأجبتك، وأمرتني فأطعتك، وهذا السحر فاغفر لي، فقيل له في ذلك، فقال: إن يعقوب عليه السلام حين سوّف بنيه - أي وعدهم بأن يستغفر لهم وقال لهم "سوف أستغفر لكم ربي" - أخرهم إلى السحر، لأنه وقت إجابة. وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: لم أخَّرَ يعقوب عليه السلام بنيه في الاستغفار؟ قال "أخرهم إلى السحر لأن دعاء السحر مستجاب".
ومن أشدّها رجاء سحر يوم الجمعة. فقد روى الترمذي في حديث طويل، وحسنه والحاكم، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما - وفيه يقول صلى الله عليه وسلم. وقد قال أخي يعقوب لبنيه "سوف أستغفر لكم ربي" يقول "حتى تأتي ليلة الجمعة". وروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين استغفارة". وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: بلغنا أن داوود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال: يا جبريل أي الليل أفضل؟ فقال: يا داوود ما أدري، إلا أن العرش يهتز في السحر.
اللهم اجعلنا من التوابين، واجعلنا من المستغفرين، واكتب لنا عز الدنيا والآخرة، وبلغنا مما تحب آمالنا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم