الجنس : عدد المساهمات : 592 نقاط : 1431 السٌّمعَة : 3 تاريخ التسجيل : 26/04/2011 العمر : 32 الموقع : la.moussa@yahoo.fr
موضوع: الحق الحق الحق ؟؟؟ الثلاثاء مايو 31, 2011 11:31 pm
[size=16]
كيف يُعرَفُ الحق؟؟ وأوهام الناس فى الإستدلال عليه
الحق لا يُعرف بكثرة الأتباع، ولكن يعرف بنفسه، ويوزن بذاته • استعراض القوة منطق سطحي ساذج، ولكنه يروج بين الجماهير المستعبدة في عهود الطغيان. • ساقُ ابن مسعود -على حُموشتها ودقتها- أثقلُ من "أحد"، أما الرجل الضخم السمين من الكفار والمنافقين فلَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ. • الحق يجب قبوله، سواء أقاله الفاضل أم المفضول. • أبطل الله زعمَ اليهود بأنهم أبناءُ الله وأحباؤه، وهم في حقيقة أمرهم أعداؤه، والعبرة بالمسميات لا بالأسماء. • إن الحق لا يعرف بنصر أو هزيمة؛ لأن للنصر سننه ونواميسه، وقد يؤيد الله هذا الدين بالرجل الفاجر. • يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.
من دأب أهل الملل والنحل وأصحاب الفرق والطوائف المختلفة -وهي تعد بالمئات بل أكثر من ذلك- أن تدَّعي كلُّ طائفة منها أنها تمثل الحق، وتطعن في غيرها، وتحاول جاهدةً إثباتَ بطلان مذهب الأخرى وفساد طريقتها، وقد حكى القرآنُ عن طائفتين كبيرتين، هما: اليهود والنصارى، وكيف أن كل واحدة منهما تصف الأخرى بأنها على باطل، وليسوا على شيء معتبر، : {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 113]؛ وكذلك المشركون يجبهون الفريقين بالقولة ذاتها: {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وللآيات مناسبة توضح المقصود [انظر: تفسير ابن كثير
• ويذهب أكثرُ الناس وأكثر أهل هذه الطوائف في الاستدلال على أنهم على حق مذاهبَ شتى، ويسلكون طرائق غريبة شاذة تخالف العقل السليم، فالنصارى مثلاً يدَّعون أو يصنعون عجائب وخوارق بوسائلَ وحيلٍ وفنون برعوا فيها، وينسبونها إلى كهنتهم ورهبانهم، ويذيعونها بين العامة بين وقت وآخر، ليزعموا بعد ذلك أنهم على حق، وأن طريقتهم هي الطريقة المثلى، ونحا نحوَهم جهالُ الصوفية عندنا، فإنك إذا جالستهم سمعت منهم العجب العجاب مما لا يقبله دينٌ ولا عقل من المخاريق التي تفسد نظام الكون، ولا تقيم لسننه ونواميسه أي اعتبار، والطامة أنهم يسمونها "كرامات"، وينسبونها إلى بعض الأولياء والعارفين أو لبعض مدعي الولاية، ليسحروا بها عقول العامة، ويأخذوا بألبابهم!.
• وربما استدلَّت بعضُ الطوائف بأنها على خير بكثرة أتباعها!. وقد يقولون: لو لم نكن على خير وهدى لما اتبعنا أكثرُ الناس، وهذا الاستدلال خاطئ أيضاً، فالحق لا يُعرف بكثرة الأتباع، ولكن يعرف بنفسه، وقد نسب القرآن الغفلة والجهل والكفر إلى أكثر الناس، في مثل: : {إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243].
والغرض من هذا أن الحق لا يُعرف بكثرةٍ أو قلةٍ، فإن نوحاً شيخَ المرسلين ما آمن معه إلا أصحاب السفينة، وهلك أكثرُ أهل الأرض، وكانوا على شرك وضلالة. والدجال -نعوذ بالله من فتنته– من أكثر رؤساء الضلالة أتباعاً، وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-عن أنبياء لم يؤمن معهم أحد، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (عُرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط والنبي ليس معه أحد حتى رُفِع لي سواد عظيم.........الحديث)، فهل هذا النبي الذي ليس معه أحد على غير هدى؟ والغرض من هذا الكلام أنه لا يعرف الحق بكثرة أو قلة، ولكن يعرف بنفسه، ويوزن بذاته، لا ينتقص منه قلة أتباعه أو ضعفهم، وكما : {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100].
• ويستدل أقوام آخرون بأنهم على حق بعظمة الملك وقوة الدولة واتساع السلطان، ويستدلون بالمنطق نفسه على أن الفريق الآخر على باطل بقلة أتباعه أو ضعفهم ونحو ذلك، وهذا نحو الذي قبله، كما حكى القرآن ذلك عن فرعون الذي استخدم أسلوب الاستدلال بالقوة المادية وسعة الملك وكثرة الأموال؛ للتأثير في الجماهير، وإقناعهم بأنه على رشاد وسداد وأن العاقبة له، وأن موسى ليس على شيء، : {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ * فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:51-54]. وهنا –كما هو ظاهر في الآيات- يحاول فرعون أن يخلب عقول الجماهير الساذجة باستعراض قوته وجاهه وسلطانه وإظهار زخرفه وزينته، ليستدل بها على أنه على حق، وأنه خير من موسى.
هذا الضعيف الفقير الذي لا يكاد يبين، وهو منطق سطحي ساذج، ولكنه يروج بين الجماهير المستعبدة في عهود الطغيان، المخدوعة بالأبهة والبريق. [في ظلال القرآن - (ج 6 / ص 359)]، بل يذهب فرعون إلى أبعد من ذلك وأغرب، حينما يحاول صرف الناس عن موسى بتنقيصه وازدراء شأنه؛ لعيب خلْقي فيه، وهو عقدة من لسانه، وهذا من فرعون أسلوب عجيب وفن غريب في التمويه والخداع والتأثير في الرأي العام كما يقال في أيامنا، وهو استدلال لا يمت إلى العقل بصلة، فالأشياء الخَلْقية التي ليست من فعل العبد، لا يعاب بها، ولا يذم عليها، وفرعون يدري هذا، وإنما أراد الترويج على رعيته، فإنهم كانوا جهلة أغبياء؛ ولهذا : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: 54]، وأكثر الناس –إلا من عصمهم العلم- على شاكلتهم، يستخفهم الكبراء والطغاة على مدار القرون!.
ومثل هذا أو أعجب منه قول فرعون: {فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ} [الزخرف: 53]، وهذا استدلال سطحي ونظر إلى الشكل الظاهر، يلقى قبولاً عند البُلْه والسذج وكثير من العامة وخاصة في ظل الحضارات المادية، ولأن موسى لا يتمتع بمظاهر الأبهة والتفخيم، فهو على باطل، ولا ينبغي اتباعه بل يجب معاندته ومحاربته، وأكثر الناس هكذا ينظر إلى الشكل الظاهر، ولا ينفذ إلى لب الدعوة وجوهرها، ولا يعطيها قدرها، ومن ثم يقدِّرون الأشخاص والأشياء والقيم بمثل هذه الموازين المختلة والمقاييس المعوجة، فلا ينتهي أحدهم إلى تقويم صحيح، أو تصور سليم، ويظل يخبط خبط عشواء على غير هدى ولا بصيرة. [تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 232)]. ولذلك تجد سائر الطغاة والمبطلين يستخدمون منطق فرعون ذاته في خداع الناس، ويقولون قولته نفسها: أفلا تبصرون إلى قوتي وضعف موسى؟
ونحو ذلك ما كان من قريش من الاستدلال المغلوط: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31]، أي الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف. واستدلوا أيضاً –أقصد المشركين- على فساد الرسالة بكون أكثر أتباعها من المستضعفين، : {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53]، وذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان غالب من اتبعه في أول البعثة، ضعفاء الناس من الرجال والنساء والعبيد والإماء، ولم يتبعه من الأشراف إلا قليل.
والغرض من هذا أن الحق لا يُعرف بكثرةٍ أو قلةٍ، فإن نوحاً شيخَ المرسلين ما آمن معه إلا أصحاب السفينة، وهلك أكثرُ أهل الأرض، وكانوا على شرك وضلالة. والدجال -نعوذ بالله من فتنته– من أكثر رؤساء الضلالة أتباعاً، وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم-عن أنبياء لم يؤمن معهم أحد، كما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (عُرضت علي الأمم فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط والنبي ليس معه أحد حتى رُفِع لي سواد عظيم.........الحديث)، فهل هذا النبي الذي ليس معه أحد على غير هدى؟ والغرض من هذا الكلام أنه لا يعرف الحق بكثرة أو قلة، ولكن يعرف بنفسه، ويوزن بذاته، لا ينتقص منه قلة أتباعه أو ضعفهم، وكما : {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 100]. [color=darkslateblue] وفي الحديث الصحيح: "إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". ويشهد لهذا ما ورد في مسند أحمد عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنْ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَت الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم-: "مِمَّ تَضْحَكُونَ؟" قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ. فَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ". فساقُ ابن مسعود على حموشتها ودقتها أثقل من أحد، أما الرجل الضخم السمين من الكفار والمنافقين فلا يقيم الله له وزناً كما ورد في الصحيحين: (إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَقَالَ اقْرَءُوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105]).
فهذا هو الوزن الحق، ولكن أكثر الناس عندما يبتعدون عن موازين الوحي وضوابط الشرع يقيسون الأمور ذلك القياس الخاطئ. قياس الفضل بالمال، والفهم بالجاه، والمعرفة بالسلطان.. فذو المال أفضل. وذو الجاه أفهم. وذو السلطان أعرف!!! هذه المفاهيم وتلك القيم التي تسود دائماً حين تغيب عقيدةُ التوحيد عن المجتمع، أو تضعف آثارها، فترتد البشرية إلى عهود الجاهلية، وإلى تقاليد الوثنية في صورة من صورها الكثيرة وإن بدت في ثوب من الحضارة المادية قشيب. وهي انتكاسة للبشرية من غير شك. [في ظلال القرآن -
والاستدلال بضعف الأتباع منطق جاهلي قديم بعيد عن العقل والعدل، ولكنه ينطلي على كثير من الناس؛ لتعلق قلوب أكثر الناس بالدنيا وزينتها، كما قال قومُ نوح لنوح: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: 27]، والأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء وأصحاب المهن. قال القرطبي: قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير، والفقير خلي عن تلك الموانع، فهو سريع إلى الإجابة والانقياد. وهذا غالب أحوال أهل الدنيا. [تفسير القرطبي )].
قال الزجاج في قوله: {هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}: نسبوهم إلى الحياكة، ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة. قال القرطبي: وكان هذا جهلاً منهم؛ لأنهم عابوا نبي الله صلى الله عليه وسلم بما لا عيب فيه، لأن الأنبياء عليهم السلام، إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسَلون إلى الناس جميعاً، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان؛ لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم.