د. راغب السرجاني
شكر رسول اللهكان رسول
الله شاكرًا لأَنْعُمِ الله العظيمة التي وهبها اللهُ له وأحاطه بها؛
فقد كان واقع رسول الله منسجمًا مع ما أعطاه الله تعالى من نِعَمٍ، فلم يكن شكر رسول الله
مجرَّد كلمات تقال، ولكنَّها كانت واقعًا حيًّا مَعِيشًا، فنرى
رسول الله في سيرته راكعًا ساجدًا عابدًا لله تعالى، فاعلاً للخير، مسبِّحًا بحمد
الله، مُتَّبِعًا في ذلك الآيات القرآنيَّة التي تحضُّ على العبادة والحمد؛ منها
قوله تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا
رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].
حقيقة عبادة رسول اللهرسول الله والصلاةذُكرت
أحاديثُ كثيرةٌ، ومواقفُ عديدةٌ فَسَّرت وأبانت حقيقة عبادة رسول الله
لربِّه جلَّ وعلا؛ فعن عائشة -رضي الله
عنها- أنَّ نبي الله كان يقوم من الليل حتى تتفطَّر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنعُ هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما
تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! قال: "أَفَلا
أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وقد أبان هذا الردُّ الجميل رؤية رسول الله لمسألة العبادة، فهو لا يراها تكليفًا ربَّانيًّا
فقط، بل إنه يقوم بها عن حُبٍّ وإرادة، كنوع من الشكر العميق للإله القدير الذي
أعطى ومنح، وهذا يُفَسِّر أيضًا طول عبادته وشِدَّة إرهاقه لنفسه فيها.
وتصف السيدة عائشة -رضي
الله عنها- في حديث آخر صلاة رسول الله بالليل، بقولها: "إِنَّ
رَسُولَ اللهِ
كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً،
كَانَتْ تِلْكَ صَلاتُهُ -تَعْنِي بِاللَّيْلِ- فَيَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ
مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ
رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ
حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلاةِ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
فكان رسول الله يجد راحته في الإكثار من الصلاة وقراءة القرآن؛
فيروي حذيفة قائلاً:
صلَّيْتُ مع النبي ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلتُ: يركع عند
المائة. ثم مضى، فقلتُ: يُصَلِّي بها في ركعة. فمضى، فقلتُ: يركع بها. ثم افتتح
النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسِّلاً؛ إذا مرَّ بآية فيها
تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ، ثم ركع، فجعل يقول: "سُبْحَانَ
رَبِّيَ الْعَظِيمِ". فكان
ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: "سَمِعَ
اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ". ثم قام
طويلاً قريبًا ممَّا ركع، ثم سجد، فقال: "سُبْحَانَ
رَبِّيَ الأَعْلَى". فكان
سجوده قريبًا من قيامه
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان رسول الله يُكثر من قيام الليل؛ لما فيه من الخلوة بينه
وبين ربِّه I؛ لذلك قال عنه رسول الله : "أَفْضَلُ
الصَّلاةِ بَعْدَ الْمَفْرُوضَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ومن شِدَّة حُبِّ رسول الله لقيام الليل كان يقضيه في الصباح إذا فاته لأمر ما؛ فعن عائشة -رضي
الله عنها- أنها قالت: "... كَانَ
نَبِيُّ اللَّهِ
إِذَا صَلَّى صَلاَةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا،
وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، صَلَّى مِنَ
النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً..."
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وهذا الحُبُّ العميق لعبادة الله -خاصَّة الصلاة- يُفَسِّر أيضًا قول
رسول الله لبلال بن رباح t: "قُمْ يَا بِلالُ فَأَرِحْنَا
بِالصَّلاةِ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ويقول رسول الله في حديث آخر: "وَجُعِلَتْ
قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
ولا غَرْوَ أنَّ نِعم الله I وعطاياه وفضله تستتبع حمدًا جزيلاً، وهو ما
كان يقوم به رسول الله ؛ فكان لسان رسول الله دائمًا رطبًا بذِكْرِ الله وحَمْدِه على نِعمه
وأفضاله؛ فعن عائشة -رضي
الله عنها- أنها قالت: "كَانَ النَّبِيُّ
يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
رسول الله والصومونرى رسول الله
في الصوم يَزِيدُ البذلَ والعطاء، وفي العشر الأواخر من شهر رمضان يتعهَّد نفسه
بمضاعفة العبادة، فقد روت عائشة -رضي
الله عنها- فقالت: "كَانَ النَّبِيُّ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
كذلك، كان رسول الله مواظبًا على صيام الاثنين والخميس، وقد ذكر
عِلَّة ذلك بقوله: "تُعْرَضُ الأَعْمَالُ
يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ،
فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وكان رسول الله يحبُّ الصيام في الهواجر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]وفي الأيام شديدة الحرِّ؛ فعن أبي الدرداء t قال: "خَرَجْنَا
مَعَ رَسُولُ اللهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي
حَرٍّ شَدِيدٍ،
حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ،
وَمَا فِينَا صَائِمٌ إلاَّ رَسُولُ اللهِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ
رَوَاحَةَ"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
وهكذا كان رسول الله يتعامل مع قضيَّة العبادة من منطلق الشكر لا الفرض فقط، ومن منطلق
البذل والتطوع والزيادة لا أداء الواجب؛ ممَّا أعطى عبادته شكلاً متميِّزًا باهرًا
في صورته.