بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
صـــــورتان مـــن التــــــاريخ
الصورة الأولى بطلها نور الدين محمود ، و دارت أحداثها عندما نزلت الفرنجة في دمياط ، فخرج (رحمه الله) بجيش قليل، و إذا بجيش الفرنجة كثير قد اجتمعوا من فرنسا وانجلترا وغيرهما للحرب ضده، فلما رأى جيشه قليلاً وجيشهم كثيراً، طلب مهلة عشرين يوماً، فصام العشرين يوماً كلها لا يفطر إلا على ماء وقليل خبز حتى ضمر جسمه، وكان يقوم الثلث الأخير من الليل، ويقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي، فنام نور الدين ليلة فرأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام، يقول له: لا تيأس يا نور الدين محمود من نصر الله، أَمَا نَصَرَك يوم حارم؟!
يقول القاضي يحيى: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول: يا يحيى بشِّر نور الدين برحيل الفرنج عن دمياط فقلت: يا رسول الله! ربما لا يصدقني، فقال: قل له: بعلامة يوم حارم. فانتبهت.
فلما صلى نور الدين الصبح وشرع يدعو، هابه يحيى، فقال له: تحدثني أو أحدثك؟ فارتعد يحيى وخرس؛ فقال نور الدين: أنا أحدثك، رأيتَ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الليلة وقال لك كذا وكذا، قال: نعم، فبالله يا مولانا ما معنى قوله: بعلامة يوم حارم؟ فقال نور الدين: لما التقينا بالعدو خفت على الإسلام، فانفردتُ ونزلتُ ومرغتُ وجهي على التراب، وقلت: يا سيدي: مَنْ محمود في البين، الدين دينك، والجند جندك، وهذا اليوم افعل ما يليق بكرمك، قال: فنصرنا الله عليهم.
والصورة الثانية بطلها الخليفة المستعصم، وجرت وقائعها عندما أصبحت الجيوش المغولية علي مشارف بغداد سنة 656 هجرية، ونزل هولاكو بأكثر من مائتي ألف مقاتل على عاصمة الخلافة من كل جانب، بعد الجهود الحثيثة التي بذلها الوزير ابن العلقميّ الرافضي! والذي ظل يجرد المدينة من دفاعاتها شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت خالية من أي قوات تمنع الهجوم الكاسح المرتقب، وكانت غفلة الخليفة المستعصم العباسي من أهم أسباب هذه النازلة الكبرى التي عصفت بالخلافة كلها، فلقد سلم المستعصم مقاليد الأمور كلها لوزيره ابن العلقمي، وانشغل هو بملذاته وشهواته، وانغمس في الدعة واللهو والبطالة، وفي ظرف كان يحتاج منه لأقصي درجات الاستعداد والحذر والحيطة، وأثناء الحصار الرهيب لبغداد، كان الخليفة المستعصم في قصره يستمتع برقصة مثيرة لإحدى جواريه، التي كانت ترقص بين يديه في قصر الخلافة، وأثناء انشغاله بهذا اللهو والعبث، أطلق أحد القناصة المغول سهماً اخترق نافذة قصر الخليفة، وأصاب الجارية الراقصة فقتلها في الحال وهي ترقص بين يدي الخليفة الغافل العابث، فما كان من الخليفة إلا أن أمر بوضع ستائر كثيفة على النوافذ، وواصل لهوه ورقصه مع الجواري!
هما صورتان من التاريخ تقولان لنا إن طريق النصر معروف، وطريق الهزيمة أيضًا معروف، فالنصر سبيله الطاعة والاستقامة والهزيمة طريقها المعصية والانحراف، ومن ثم يعقبها الذل والصغار على أهل المعصية والكفر. وفي يوم الخندق الذي اجتمعت فيه العرب قاطبة وتمالأ معها اليهود من داخل المدينة على إبادة الإسلام وأهله ووقع المسلمون في شدة وضيق يصفها العليم الخبير بقوله:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا}(الأحزاب: 10، 11).
لكنهم كانوا قوماً أهل طاعة وأهل صلاح وأهل استقامة وأهل صلاة وقرآن، وما كان الله ليخلف وعده لهم ويتخلى عنهم في تلك الظروف حاشاه سبحانه وبحمده، فجاء النصر الإلهي والذي عبر عنه القوي العزيز بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9]. فأذل الله وأخزى أهل المعصية والكفر والطغيان ونصر أهل الطاعة والاستقامة والإيمان وأخبرنا عن ذلك بقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}(الأحزاب: 25).
فأي الطريقين سلكته أمتنا في هذا الزمان؟ أعتقد أنكم تعرفون الإجابة!!