الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد:
فقد اُعدت هذه الوثيقة بياناً للموقف الشرعي تجاه قضية من قضايا العصر، ألا وهي قضية المرأة وحقوقها في المجتمع المسلم لا سيما في زمن هذه الجولة التغريبية المعاصرة، ونصحاً للأمة من أن تفتن في دينها، وبياناً لرحمة الله بالناس أجمعين، حيث شرع لهم هذه الشريعة الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان.
وقد فرض توقيتها الاستهداف العدواني الصريح والمتسارع لقيم هذه الأمة, من قبل منظومة عالمية تقودها وتحركها المنظومة الغربية، من خلال رؤيتها العلمانية، المادية، الشهوانية.
إذا أمكن تفسير وفهم أسباب عجز الساسة عن مقاومة العدوان العسكري والسياسي، فلا يسوغ قبول قعود وعجز العلماء ومفكري الأمة عن رد العدوان الثقافي والفكري، خاصة وأن العدوان في معظم صوره الحالية والقادمة يستهدف تلك الجبهة التي يرابطون عليها.
ربما ينجح العدوان في مرحلة ما، على بلد ما، في إسقاط سلطته السياسية ويهزم قوته العسكرية، ولكنه لا يمكن أن ينجح في السيطرة على الشعوب المسلمة إلا إذا أفقدها ثقتها بدينها، قال تعالى: {وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} آل عمران (69)، وقال تعالى: (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء) آل عمران (89).
هذه الحقيقة تدفع إلى التأكيد على مجموعة أصول ورؤى حول أحد الميادين التي تجري فيها محاولات تغريبية محمومة، ألا وهو الميدان الاجتماعي، خاصة ما يتصل بالمرأة.
إن الاجتماع على مثل هذه الأصول، هو ثمرة من ثمرات وعي الأمة، ومظهر من مظاهر التداعي الإيجابي المتنامي لأهل الإصلاح فيها، وتجمعهم على الخير، نصرة للحق، ورداًً للظلم وإشاعة للفضيلة.
ولقد حرصت الوثيقة على الاختصار, بالاقتصار على الحد الأدنى من التعليل والتدليل.
ضمن المحاور التالية:
• منطلقات أساسية.
• أصول شرعية في حقوق المرأة وواجباتها.
• رؤى تفسيرية وتعليلية لبعض هذه الأصول.
• توصيات ومطالب.
أولاً: منطلقات أساسية:
هناك مبادئ ومنطلقات شرعية وواقعية توجه صياغة أي أصول شرعية حول قضية المرأة وحقوقها، وتحدد دواعيها, ومسلماتها, وطريقة معالجة موضوعها، وأهمها ما يلي:
1 . الاعتقاد الجازم بأن مصدر الخير والحق - فيما يتعلق بأمر الدنيا والآخرة - هو الوحي الإلهي بمصدريه الكتاب والسنة المطهرين، ومن ذلك الإجماع الثابت المعتبر، واعتبار الرجوع إليها وعدم مخالفتها، من أصل الإيمان وشرطه، قال عز وجل: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } "النساء:65"، ومن المعلوم بالضرورة أن من توحيد الله في ربوبيته الإيمان بأن الحكم والتشريع حق لله , في شؤون المجتمع, وشؤون أفراده، وفي الحياة كلها، ومن توحيده في ألوهيته الإيمان بوجوب التحاكم إليه في كل شيء.
2 . اليقين بصلاحية هذه الشريعة للتطبيق في كل زمان ومكان، وبشمولها لكل مناحي الحياة، والثقة التامة بهذا الدين, وأحكامه الكلية والجزئية، والإيمان بأنه هو الخير كله، والعدل كله، والرحمة كلها، قال تعالى: ( إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً ) الإسراء (9)، وسبب هذه الثقة صدور هذه الأحكام عن الله العزيز الحكيم، اللطيف الخبير، الموصوف بالعلم الشامل والحكمة التامة، قال عز وجل: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) "المائدة:50".
لذا فإن التصحيح والإصلاح لأي خلل في أي وضع أو ممارسة, يجب أن يكون وفق معيار الشريعة في الصواب والخطأ، والحق والضلال، وليس وفق موازين الآخرين من غير المسلمين أومن تأثر بهم من أبناء المسلمين، قال تعالى: (وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) المائدة (49)
3. الوعي بقصور المناهج الوضعية البشرية -المخالفة لنصوص الوحي الإلهي- في التصورات, والقيم, والموازين, والأحكام، مهما بدت مزينة وبراقة، قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ) النساء(82). مع الاعتراف بأنها قد تصيب الحق أو بعض جوانبه أحياناً, نتيجة لبقايا فطرة سليمة، أو عقل ونظر متجرد، كذلك الوعي بأن مصدر الشرور التي تعاني منها البشرية, مسلمها وكافرها, هو ابتعاد هذه المناهج عن مرجعية الإسلام الحق، قال تعالى: )ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) "الروم:21"، وقال: )لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) "الأنبياء:22"،
4. الإيمان بأن دين الإسلام هو دين العدل ، ومقتضى العدل التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين و يخطىء على الإسلام من يطلق أنه دين المساواة دون قيد؛ لأن المساواة المطلقة تقتضي أحياناً التسوية بين المختلفين، وهذه حقيقة الظلم، ومن أراد بالمساواة العدل فقد أصاب في المعنى وأخطأ في اللفظ، ولم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة بإطلاق، إنما جاء الأمر بالعدل، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)النحل (90)، فأحكام الشريعة قائمة على أساس العدل، فتسوي حين تكون المساواة هي العدل، وتفرق حين يكون التفريق هو العدل، قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) الأنعام (115)، أي صدقاً في الإخبار، وعدلاً في الأحكام.
لذا فإن الإسلام يقيم الحياة البشرية والعلائق الإنسانية على العدل كحد أدنى، فالعدل مطلوب من كل أحد، مع كل أحد، في كل حال، قال تعالى: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة (.
5. في مجال العلائق بين البشر، تعتمد الجاهليةُ الغربية المعاصرةُ "الفرديةَ" قيمة أساسية، والنتيجة الطبيعية والمنطقية لذلك هو التسليم بأن الأصل في العلاقات بين البشر، تقوم على الصراع والتغالب، لا على التعاون والتعاضد، وعلى الأنانية والأثرة، لا على البذل والإيثار، وهذه ثمرة الانحراف عن منهج الله، فصراع الحقوق السائد عالمياً بين الرجل والمرأة هو نتاج طبيعي للموروث التاريخي والثقافي الغربي، بجذوره الميثولوجية (الدينية )، الذي تقبّل فكرة أن العداوة بين الجنسين أزلية، وأن المرأة هي سبب الخطيئة الأولى، وهذا الموروث ربما التقى مع بعض الثقافات الأخرى، ولكنه بالتأكيد لا ينتمي إلى شريعة الإسلام، ولا إلى ثقافة المسلمين.
فالحقوق عند المسلمين لم يقررها الرجل ولا المرأة إنما قررها الله اللطيف الخبير، الذي قال: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف(189)، فإن وجد في واقع المسلمين حيف في الحقوق من طرف تجاه آخر؛ فهو نتيجة لانحراف المسلمين عن دينهم، وجهلهم بأحكامه وضعف إيمانهم بربهم؛ أو بسبب تحكيم القوانين الوضعية فيهم، أو بسبب تحكم الأعراف والتقاليد المخالفة للشرع في أحوالهم.
6. إن معركة الكفار ضد المسلمين مستمرة منذ قيام هذا الدين قال تعالى: ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ) البقرة (217)، وفي الفترات التي يتسلط فيها الكفار على المسلمين يظهر النفاق في أوساط المسلمين ويجاهر من في قلبه مرض بمواقفه، ويكثر السمّاعون لهم، ولذا وجب مجاهدة المنافقين والاحتساب عليهم بقوة قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير ) التوبة(73)، وقال عز وجل: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)المنافقون (4)، مع التنبه إلى الأسلوب الخادع الذي ينهجه كثير منهم، وهو التعامل مع النصوص الشرعية بمنهج التحريف والتأويل لمعانيها وألفاظها ومقاصدها بالشبهات الواهية.
كما يجب مناصحة السمّاعين لهم، ممن تأثر بواقع الهزيمة المادية والمعنوية للمسلمين، فضعف اعتزازهم بهذا الدين وأحكامه وشرائعه، وتأثر بشبهاتهم وضلالاتهم
ثانيا: أصول شرعية في حقوق المرأة وواجباتها :
لم يُعرف في تأريخ المسلمين، على مدى عمر أمة الإسلام، مشكلة اسمها " قضية المرأة"، سواء أكان ذلك في أوج عزتهم وتمكنهم، أو في أزمنة ضعفهم وهزيمتهم. وعندما نقل الغرب وأدعياؤه المستغربون أمراضهم ومعاناتهم على البشر جميعاً -بمن فيهم المسلمين-، ظهر ما يسمى بـ " قضية المرأة"، حيث لا قضية، ونودي بتحريرها في معظم مجتمعات المسلمين بالمفهوم العلماني الغربي للتحرير.
ولذا نبين هنا بعض الأصول الشرعية الحاكمة في هذا السياق:
1. المرأة أحد شطري النوع الإنساني، قال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)النجم(45)، وهي أحد شقي النفس الواحدة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)النساء (1)، فهي شقيقة الرجل من حيث الأصل، والمنشأ، والمصير، تشترك معه في عمارة الكون - كل فيما يخصه - بلا فرق بينهما في عموم الدين، في التوحيد والاعتقاد، والثواب والعقاب، وفي عموم التشريع في الحقوق والواجبات، قال عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)النحل(97)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال" أخرجه أبو داود والترمذي, ومن هنا كان ميزان التكريم عند الله التقوى قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)الحجرات(13)، ولا يوجد تعبير عن هذا المعنى أدق ولا أبلغ من لفظ: (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)، في قوله سبحانه وتعالى: ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )آل عمران(195)، فهما سواء في معنى الإنسانية، وفي عموم الدين والتشريع، وفي الميزان عند الله.
وقد اقتضت حكمة الخالق أن الذكر ليس كالأنثى في صفة الخلقة، والهيئة، والتكوين، وكان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة: الاختلاف بينهما في القوى والقدرات الجسدية، والعاطفية، والإرادية. قال سبحانه وتعالى عن الذكر: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)آل عمران (36)، وقال عن الأنثى: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)الزخرف (1.
وقد أنيط بهذا الاختلاف في الخلق بين الجنسين جملة من الحكم والأحكام، وأوجب هذا الاختلاف ببالغ حكمة الله العليم الخبير، التفاوت بينهما في بعض أحكام التشريع، وفي المهام والوظائف التي تلائم تكوين كل منهما وخصائصه، قال الله تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)الأعراف(54)، فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين، وهذه إرادته الدينية الشرعية، في الأمر والحكم والتشريع، فالتقت الإرادتان في شأن الرجل والمرأة على مصالح الخلق، وعمارة الكون، وانتظام حياة الفرد والمجتمع.
2. ويترتب على هذه الحقيقة الثابتة أحكام شرعية كلية، ثابتة ثبات هذه الحقيقة، منها: أحكام الأسرة، فالأسرة في الإسلام هي وحدة بناء المجتمع، يترتب على قوتها وتماسكها سلامة المجتمع وصلاحه، والأسرة في الإسلام تهدف إلى تحقيق غاياتها بتبادل السكن، والرحمة، والمودة بين أفرادها، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)الروم (21).
وللمرأة دور أساس في قوة الأسرة وتماسكها، وأي اختلال في أداء المرأة لمسؤوليتها في الأسرة، ينعكس أثره على أفرادها، فالمجتمع الصالح يقف بحزم في مواجهة سفاهات الجاهلية المعاصرة، التي تهون من دور المرأة في الأسرة، أو من أهمية قيامها بمسؤولياتها تجاهها، وهو أهم عمل تقوم به المرأة المسلمة لمصلحة الأسرة والمجتمع.
وفي المقابل فعلى الرجل تحمل أعباء القِوامة التي هي تكليف فرضته عليه الشريعة الغراء، قال عز من قائل: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)النساء(34)، وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)البقرة (228). والقوامة هي القيادة
أي قيادة المجتمع الصغير ( الأسرة ) التي يتشرف بها الرجل دون تسلط أو تعسف، وهي كذلك تكليف لصالح المرأة والبيت والأسرة، حيث تكون مسؤولية النفقة فيها وطلب الرزق والحماية والرعاية واجبة على الرجل، وله بذلك حق الطاعة المطلوبة للقائد، وهي الطاعة بالمعروف، وليست الطاعة المطلقة كما قال صلى الله عليه وسلم :" إنما الطاعة في المعروف" رواه البخاري ومسلم.
3. الرجل مكلف بالنفقة على المرأة، وهذه النفقة حق للمرأة ونصيب مفروض في ماله، لا يسعه تركها مع القدرة، قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)الطلاق (7)، وهذا الحق لها لا علاقة له بحقها في امتلاك المال والتصرف به، من خلال إرادتها وذمتها المالية المستقلة كالرجل -على حد سواء-. وهذا حق ثابت في الشرع المطهر، وإذا كانت الجاهلية المعاصرة تعتبر المرأة ناقصة الأهلية في اكتساب المال وصرفه حتى النصف الثاني من القرن العشرين، كما هو في القوانين اللاتينية، فإن المرأة في الإسلام تعتبر شخصاً كامل الأهلية في هذا المجال، لا فرق في ذلك بينها وبين الرجل.
4. العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوارهما - وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي-، ومن مقاصد هذا التكامل: حصول السكن للرجل والمودة والرحمة بينهما، قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)الروم (21)، ولفظ السكن لا يوجد أبلغ منه في اللغة العربية، وربما لا يوجد - كذلك - في لغات أخرى، فهو يعني جملة من المعاني منها : الأمن، والراحة، والطمأنينة، والأنس، وهو ما ينعكس إيجاباً عليهما وعلى أولادهما، ومن ثم على المجتمع كافة.
فإذا كان الجنسان يتمايزان في الصفات العضوية والحيوية والنفسية ، فإن من الطبعي أن يتمايزا في الوظائف الاجتماعية، والتكامل بين الجنسين في المسئوليات والحقوق، هو ثمرة العدل الذي قامت عليه العلائق في الإسلام.
وبناءً على ذلك فلقد حدد الشرع مجالَ عمل الرجل في هذه الحياة ونوعيته، كما حدد مجالَ عمل المرأة الأساس ونوعيته، وقد جاء ملائما لما تقتضيه العقول السليمة والفطر المستقيمة, وبما يحدث التكامل والاتزان والأمن الاجتماعي، دون أن يتحمل أحدهما أكبر من حمله، الذي يحتمله طبعاً وعرفاً.
ولذا كان من الظلم والجور تحميل المرأة أعباء الرجل، دون حاجة شخصية أو اجتماعية، حيث يمثل ذلك اعتداءً على حق العدل في الحقوق والواجبات، كما يمثل اعتداءً على كرامة المرأة وأنوثتها.
5. إن الوضوح في تحديد وظيفة المرأة في الحياة، يوجه حتما تعليمها؛ لذا نؤكد هنا أن التعليم واجب شرعي فيما لا يتم تعبد الإنسان لربه إلا به، كمعرفة فروض الإيمان، وفروض العبادات ونحوها، وهذا يشترك فيه الذكر والأنثى، قال صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه ابن ماجه. ثم تصبح فرضية بقية المعارف والعلوم عليهما بحسب وظيفة كل منهما ومسئوليته، وما زاد عن ذلك من العلوم يكون من النوافل، التي يجب أن لا يزاحم بها فرائض الأعمال الدنيوية أو الأخروية.
6. حفظت الشريعة الإسلامية المراعية للفطرة والقائمة على العدل للمرأة حقوقاً على المجتمع، تفوق في الأهمية كثيراً من الحقوق التي تضمنتها وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، القائمة على أساس المساواة التماثلية، وتغفل الجاهلية المعاصرة هذه الحقوق، ولا تبالي بانتهاكها، ومن ذلك:
حق المرأة في الزواج حسب الشريعة الإسلامية، وحقها في الأمومة، وحقها في أن يكون لها بيت تكون ربته، ويعتبر مملكتها الصغيرة، حيث يتيح لها الفرص الكاملة في ممارسة وظائفها الطبيعية الملائمة لفطرتها؛ ولذا فإن أي قانون أو مجتمع يحد من فرص المرأة في الزواج، يعتبر منتهكاً لحقوقها، ظالماً لها.
وللمرأة - في الشريعة الإسلامية - الحق في اختيار زوجها في حدود قوله عليه الصلاة والسلام :" إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه.." رواه ابن ماجه، وفي عدم اختيار البقاء معه – إذا لم تستقم الحياة الزوجية -، والنصوص الصحيحة الواردة في تقرير هذا الأمر كثيرة، وواضحة الدلالة، ويجب أن يرد إليها كل اختلاف واجتهاد في الأحكام.
7. العفة وحفظ العرض، أصل شرعي كلي جاء ضمن المقاصد الشرعية في حفظ ورعاية الضرورات الخمس المجمع على اعتبارها, التي ترجع إليها جميع الأحكام الشرعية، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال. وأي انتقاص لمبدأ العفة هو عدوان على الشريعة ومقاصدها، وانتهاك لحقوق المرأة والرجل والأسرة والمجتمع، وإشاعة للفاحشة بين المؤمنين، قال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور:19"، ولذا شرع الحكيم الخبير أحكاماً؛ لرعاية هذا المبدأ، فشرع الزواج وعظم شأنه، وسمى عقده ميثاقاً غليظاً، وذلك في قوله تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً)النساء(21)؛ ولوقاية هذا المبدأ من أن ينتهك، حرم الزنى على الجنسين -على حد سواء-، واعتبره من الفواحش (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)الإسراء(32)، كما سد ذرائعه وما يقرب إليه، كالخلوة بالأجنبية، والاختلاط ، والخضوع بالقول، وشدد في تحريم الرغبة في إشاعة الفاحشة في مجتمع المؤمنين، كذلك شرع أحكام الحجاب وغض البصر؛ لذات المقصد وعاقب المعتدين على هذا المبدأ، فشرع حد الزنى، وحد القذف، وعقوبة التعزير. كل ذلك حفاظاً على الأعراض ومراعاة للعفة.
8. يعتبر الحجاب حصنا أساسياَ من الحصون التي تحافظ على العفة والستر والاحتشام, و يمنع إشاعة الفاحشة، كما انه مظهر من مظاهر الاعتزاز بالشعائر الشرعية، المحققة لعفاف الرجل والمرأة والمجتمع.
وحجاب المرأة ليس نافلة، فضلاً عن أن يكون مجرد رمز يسع المسلمة التحلي به أو تركه، بل هو فريضة من الله على النساء؛ صوناً لهن؛ وإعلاناً لعفافهن، كقدواتهن من أمهات المؤمنين، فلا يطمع فيهن أهل الأهواء والشهوات، كما قال الحق سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)الأحزاب (59)، لقد دارت رحى الحرب على الحجاب مكشوفة صريحة, من قبل أعداء هذا الدين، ومن قبل متبعي الشهوات من المسلمين والمتاجرين بها، وربما استترت أحياناً, فأعلنت قبول الحجاب ولكن مع مسخ حقيقته، وتحويله إلى مجرد تقليد، وتراث يمكن أن يدخله التطوير والاختزال، بما يلغى مقصده وغايته.
إننا عندما ندرك أهمية الحجاب والقيمة المرتبطة به، يزول عجبنا من شراسة الحرب ضده, فالغرب -مثلاً- أصبح يضيق بالحجاب ذرعاً, كما لم يضق بأي لباس آخر لأي طائفة دينية, أو نحلة بشرية، والشواهد على مضايقة المحجبات قانونياً وعملياً واضحة لكل متابع، سواء أكان ذلك في العالم الغربـي -الذي يزعم أن من أسسه حماية الحقوق الشخصية-، أو في بعض دول العالم الإسلامي والعربي المتبني للعلمانية.
9. وإذا كان الحجاب شريعة محكمة وفريضة ثابتة؛ لصيانة كرامة المرأة والمجتمع عامة؛ ولتدعيم مبدأ العفة، فإن تشريعاً آخر يرتبط بهذه الغاية ويقويها، وهو إباحة تعدد الزوجات، الذي تم تشويه حقيقته من خلال الطرح الإعلامي المشوه، ومن خلال الممارسة الخاطئة له، رغم أن الواقع التطبيقي لهذا التشريع حتى في المجتمعات غير الإسلامية يؤدي إلى دعم مكانة المرأة وقيمتها في المجتمع، ولتوضيح ذلك قارن بين المجتمعات التي يسود فيها تشريع التعدد كيف تكون فيها المرأة ذات قيمة كبيرة، في مقابل المجتمعات التي تحرّم وتجرّم هذا التشريع تكون فيها المرأة ذات قيمة أقل.
فالتعدد تشريع ثابت محكم، مشروط بالعدل، محقق لكرامة المرأة وميسر لها الزواج بكرامة وعفة، بغض النظر عن حالها من ترمل أو طلاق أو كبر، وفي المقابل فإن حالات اجتماعية كثيرة لا يكون حلها إلا بالتعدد مثل عقم الزوجة، أو مرضها، أو طبيعة مهنتها، أو وضعها القانوني كالجنسية، وحالات أخرى، وكلها لا بديل فيها عن التعدد إلا الطلاق، وهو أكره ما يمكن أن يحدث بين زوجين يكن كل منهما المودة والرحمة للآخر، كما أن التعدد في كثير من الأحيان سبب لحفظ كرامة الأطفال، وذلك بإيجاد الأب البديل للطفل اليتيم أو الفاقد للأب، عوضاً عن التشرد أو دور الأيتام، قال عز وجل: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)النساء(3)، فالإسلام راعى مصلحة المجتمع من الرجال والنساء بشكل عام، بما يحقق مقاصد الزواج للطرفين، وبما يشبع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، من العفة، والسكن، والذرية، حتى لو تعارض -أحياناً- مع الرغبة الآنية، والمصلحة الضيقة الخاصة بالمرأة المتزوجة
ثانيا: أصول شرعية في حقوق المرأة وواجباتها :
لم يُعرف في تأريخ المسلمين، على مدى عمر أمة الإسلام، مشكلة اسمها " قضية المرأة"، سواء أكان ذلك في أوج عزتهم وتمكنهم، أو في أزمنة ضعفهم وهزيمتهم. وعندما نقل الغرب وأدعياؤه المستغربون أمراضهم ومعاناتهم على البشر جميعاً -بمن فيهم المسلمين-، ظهر ما يسمى بـ " قضية المرأة"، حيث لا قضية، ونودي بتحريرها في معظم مجتمعات المسلمين بالمفهوم العلماني الغربي للتحرير.
ولذا نبين هنا بعض الأصول الشرعية الحاكمة في هذا السياق:
1. المرأة أحد شطري النوع الإنساني، قال تعالى: (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى)النجم(45)، وهي أحد شقي النفس الواحدة، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)النساء (1)، فهي شقيقة الرجل من حيث الأصل، والمنشأ، والمصير، تشترك معه في عمارة الكون - كل فيما يخصه - بلا فرق بينهما في عموم الدين، في التوحيد والاعتقاد، والثواب والعقاب، وفي عموم التشريع في الحقوق والواجبات، قال عز وجل: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)النحل(97)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال" أخرجه أبو داود والترمذي, ومن هنا كان ميزان التكريم عند الله التقوى قال تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)الحجرات(13)، ولا يوجد تعبير عن هذا المعنى أدق ولا أبلغ من لفظ: (بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)، في قوله سبحانه وتعالى: ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ )آل عمران(195)، فهما سواء في معنى الإنسانية، وفي عموم الدين والتشريع، وفي الميزان عند الله.
وقد اقتضت حكمة الخالق أن الذكر ليس كالأنثى في صفة الخلقة، والهيئة، والتكوين، وكان من آثار هذا الاختلاف في الخلقة: الاختلاف بينهما في القوى والقدرات الجسدية، والعاطفية، والإرادية. قال سبحانه وتعالى عن الذكر: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى)آل عمران (36)، وقال عن الأنثى: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)الزخرف (1.
وقد أنيط بهذا الاختلاف في الخلق بين الجنسين جملة من الحكم والأحكام، وأوجب هذا الاختلاف ببالغ حكمة الله العليم الخبير، التفاوت بينهما في بعض أحكام التشريع، وفي المهام والوظائف التي تلائم تكوين كل منهما وخصائصه، قال الله تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)الأعراف(54)، فتلك إرادة الله الكونية القدرية في الخلق والتكوين، وهذه إرادته الدينية الشرعية، في الأمر والحكم والتشريع، فالتقت الإرادتان في شأن الرجل والمرأة على مصالح الخلق، وعمارة الكون، وانتظام حياة الفرد والمجتمع.
2. ويترتب على هذه الحقيقة الثابتة أحكام شرعية كلية، ثابتة ثبات هذه الحقيقة، منها: أحكام الأسرة، فالأسرة في الإسلام هي وحدة بناء المجتمع، يترتب على قوتها وتماسكها سلامة المجتمع وصلاحه، والأسرة في الإسلام تهدف إلى تحقيق غاياتها بتبادل السكن، والرحمة، والمودة بين أفرادها، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)الروم (21).
وللمرأة دور أساس في قوة الأسرة وتماسكها، وأي اختلال في أداء المرأة لمسؤوليتها في الأسرة، ينعكس أثره على أفرادها، فالمجتمع الصالح يقف بحزم في مواجهة سفاهات الجاهلية المعاصرة، التي تهون من دور المرأة في الأسرة، أو من أهمية قيامها بمسؤولياتها تجاهها، وهو أهم عمل تقوم به المرأة المسلمة لمصلحة الأسرة والمجتمع.
وفي المقابل فعلى الرجل تحمل أعباء القِوامة التي هي تكليف فرضته عليه الشريعة الغراء، قال عز من قائل: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)النساء(34)، وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)البقرة (228). والقوامة هي القيادة
أي قيادة المجتمع الصغير ( الأسرة ) التي يتشرف بها الرجل دون تسلط أو تعسف، وهي كذلك تكليف لصالح المرأة والبيت والأسرة، حيث تكون مسؤولية النفقة فيها وطلب الرزق والحماية والرعاية واجبة على الرجل، وله بذلك حق الطاعة المطلوبة للقائد، وهي الطاعة بالمعروف، وليست الطاعة المطلقة كما قال صلى الله عليه وسلم :" إنما الطاعة في المعروف" رواه البخاري ومسلم.
3. الرجل مكلف بالنفقة على المرأة، وهذه النفقة حق للمرأة ونصيب مفروض في ماله، لا يسعه تركها مع القدرة، قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)الطلاق (7)، وهذا الحق لها لا علاقة له بحقها في امتلاك المال والتصرف به، من خلال إرادتها وذمتها المالية المستقلة كالرجل -على حد سواء-. وهذا حق ثابت في الشرع المطهر، وإذا كانت الجاهلية المعاصرة تعتبر المرأة ناقصة الأهلية في اكتساب المال وصرفه حتى النصف الثاني من القرن العشرين، كما هو في القوانين اللاتينية، فإن المرأة في الإسلام تعتبر شخصاً كامل الأهلية في هذا المجال، لا فرق في ذلك بينها وبين الرجل.
4. العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوارهما - وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي-، ومن مقاصد هذا التكامل: حصول السكن للرجل والمودة والرحمة بينهما، قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)الروم (21)، ولفظ السكن لا يوجد أبلغ منه في اللغة العربية، وربما لا يوجد - كذلك - في لغات أخرى، فهو يعني جملة من المعاني منها : الأمن، والراحة، والطمأنينة، والأنس، وهو ما ينعكس إيجاباً عليهما وعلى أولادهما، ومن ثم على المجتمع كافة.
فإذا كان الجنسان يتمايزان في الصفات العضوية والحيوية والنفسية ، فإن من الطبعي أن يتمايزا في الوظائف الاجتماعية، والتكامل بين الجنسين في المسئوليات والحقوق، هو ثمرة العدل الذي قامت عليه العلائق في الإسلام.
وبناءً على ذلك فلقد حدد الشرع مجالَ عمل الرجل في هذه الحياة ونوعيته، كما حدد مجالَ عمل المرأة الأساس ونوعيته، وقد جاء ملائما لما تقتضيه العقول السليمة والفطر المستقيمة, وبما يحدث التكامل والاتزان والأمن الاجتماعي، دون أن يتحمل أحدهما أكبر من حمله، الذي يحتمله طبعاً وعرفاً.
ولذا كان من الظلم والجور تحميل المرأة أعباء الرجل، دون حاجة شخصية أو اجتماعية، حيث يمثل ذلك اعتداءً على حق العدل في الحقوق والواجبات، كما يمثل اعتداءً على كرامة المرأة وأنوثتها.
5. إن الوضوح في تحديد وظيفة المرأة في الحياة، يوجه حتما تعليمها؛ لذا نؤكد هنا أن التعليم واجب شرعي فيما لا يتم تعبد الإنسان لربه إلا به، كمعرفة فروض الإيمان، وفروض العبادات ونحوها، وهذا يشترك فيه الذكر والأنثى، قال صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" رواه ابن ماجه. ثم تصبح فرضية بقية المعارف والعلوم عليهما بحسب وظيفة كل منهما ومسئوليته، وما زاد عن ذلك من العلوم يكون من النوافل، التي يجب أن لا يزاحم بها فرائض الأعمال الدنيوية أو الأخروية.
6. حفظت الشريعة الإسلامية المراعية للفطرة والقائمة على العدل للمرأة حقوقاً على المجتمع، تفوق في الأهمية كثيراً من الحقوق التي تضمنتها وثيقة حقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، القائمة على أساس المساواة التماثلية، وتغفل الجاهلية المعاصرة هذه الحقوق، ولا تبالي بانتهاكها، ومن ذلك:
حق المرأة في الزواج حسب الشريعة الإسلامية، وحقها في الأمومة، وحقها في أن يكون لها بيت تكون ربته، ويعتبر مملكتها الصغيرة، حيث يتيح لها الفرص الكاملة في ممارسة وظائفها الطبيعية الملائمة لفطرتها؛ ولذا فإن أي قانون أو مجتمع يحد من فرص المرأة في الزواج، يعتبر منتهكاً لحقوقها، ظالماً لها.
وللمرأة - في الشريعة الإسلامية - الحق في اختيار زوجها في حدود قوله عليه الصلاة والسلام :" إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه.." رواه ابن ماجه، وفي عدم اختيار البقاء معه – إذا لم تستقم الحياة الزوجية -، والنصوص الصحيحة الواردة في تقرير هذا الأمر كثيرة، وواضحة الدلالة، ويجب أن يرد إليها كل اختلاف واجتهاد في الأحكام.
7. العفة وحفظ العرض، أصل شرعي كلي جاء ضمن المقاصد الشرعية في حفظ ورعاية الضرورات الخمس المجمع على اعتبارها, التي ترجع إليها جميع الأحكام الشرعية، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال. وأي انتقاص لمبدأ العفة هو عدوان على الشريعة ومقاصدها، وانتهاك لحقوق المرأة والرجل والأسرة والمجتمع، وإشاعة للفاحشة بين المؤمنين، قال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور:19"، ولذا شرع الحكيم الخبير أحكاماً؛ لرعاية هذا المبدأ، فشرع الزواج وعظم شأنه، وسمى عقده ميثاقاً غليظاً، وذلك في قوله تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً)النساء(21)؛ ولوقاية هذا المبدأ من أن ينتهك، حرم الزنى على الجنسين -على حد سواء-، واعتبره من الفواحش (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)الإسراء(32)، كما سد ذرائعه وما يقرب إليه، كالخلوة بالأجنبية، والاختلاط ، والخضوع بالقول، وشدد في تحريم الرغبة في إشاعة الفاحشة في مجتمع المؤمنين، كذلك شرع أحكام الحجاب وغض البصر؛ لذات المقصد وعاقب المعتدين على هذا المبدأ، فشرع حد الزنى، وحد القذف، وعقوبة التعزير. كل ذلك حفاظاً على الأعراض ومراعاة للعفة.
8. يعتبر الحجاب حصنا أساسياَ من الحصون التي تحافظ على العفة والستر والاحتشام, و يمنع إشاعة الفاحشة، كما انه مظهر من مظاهر الاعتزاز بالشعائر الشرعية، المحققة لعفاف الرجل والمرأة والمجتمع.
وحجاب المرأة ليس نافلة، فضلاً عن أن يكون مجرد رمز يسع المسلمة التحلي به أو تركه، بل هو فريضة من الله على النساء؛ صوناً لهن؛ وإعلاناً لعفافهن، كقدواتهن من أمهات المؤمنين، فلا يطمع فيهن أهل الأهواء والشهوات، كما قال الحق سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً)الأحزاب (59)، لقد دارت رحى الحرب على الحجاب مكشوفة صريحة, من قبل أعداء هذا الدين، ومن قبل متبعي الشهوات من المسلمين والمتاجرين بها، وربما استترت أحياناً, فأعلنت قبول الحجاب ولكن مع مسخ حقيقته، وتحويله إلى مجرد تقليد، وتراث يمكن أن يدخله التطوير والاختزال، بما يلغى مقصده وغايته.
إننا عندما ندرك أهمية الحجاب والقيمة المرتبطة به، يزول عجبنا من شراسة الحرب ضده, فالغرب -مثلاً- أصبح يضيق بالحجاب ذرعاً, كما لم يضق بأي لباس آخر لأي طائفة دينية, أو نحلة بشرية، والشواهد على مضايقة المحجبات قانونياً وعملياً واضحة لكل متابع، سواء أكان ذلك في العالم الغربـي -الذي يزعم أن من أسسه حماية الحقوق الشخصية-، أو في بعض دول العالم الإسلامي والعربي المتبني للعلمانية.
9. وإذا كان الحجاب شريعة محكمة وفريضة ثابتة؛ لصيانة كرامة المرأة والمجتمع عامة؛ ولتدعيم مبدأ العفة، فإن تشريعاً آخر يرتبط بهذه الغاية ويقويها، وهو إباحة تعدد الزوجات، الذي تم تشويه حقيقته من خلال الطرح الإعلامي المشوه، ومن خلال الممارسة الخاطئة له، رغم أن الواقع التطبيقي لهذا التشريع حتى في المجتمعات غير الإسلامية يؤدي إلى دعم مكانة المرأة وقيمتها في المجتمع، ولتوضيح ذلك قارن بين المجتمعات التي يسود فيها تشريع التعدد كيف تكون فيها المرأة ذات قيمة كبيرة، في مقابل المجتمعات التي تحرّم وتجرّم هذا التشريع تكون فيها المرأة ذات قيمة أقل.
فالتعدد تشريع ثابت محكم، مشروط بالعدل، محقق لكرامة المرأة وميسر لها الزواج بكرامة وعفة، بغض النظر عن حالها من ترمل أو طلاق أو كبر، وفي المقابل فإن حالات اجتماعية كثيرة لا يكون حلها إلا بالتعدد مثل عقم الزوجة، أو مرضها، أو طبيعة مهنتها، أو وضعها القانوني كالجنسية، وحالات أخرى، وكلها لا بديل فيها عن التعدد إلا الطلاق، وهو أكره ما يمكن أن يحدث بين زوجين يكن كل منهما المودة والرحمة للآخر، كما أن التعدد في كثير من الأحيان سبب لحفظ كرامة الأطفال، وذلك بإيجاد الأب البديل للطفل اليتيم أو الفاقد للأب، عوضاً عن التشرد أو دور الأيتام، قال عز وجل: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)النساء(3)، فالإسلام راعى مصلحة المجتمع من الرجال والنساء بشكل عام، بما يحقق مقاصد الزواج للطرفين، وبما يشبع حاجاتهم النفسية والاجتماعية، من العفة، والسكن، والذرية، حتى لو تعارض -أحياناً- مع الرغبة الآنية، والمصلحة الضيقة الخاصة بالمرأة المتزوجة.
ثالثا: رؤى الوثيقة:
1. إن الإسلام بعد تقرير المساواة بين الرجل والمرأة في معنى الإنسانية، والكرامة البشرية والحقوق التي تتصل مباشرة بالكيان البشري المشترك والمساواة في عموم الدين والتشريع، يفرق بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق وبعض الواجبات، تبعاً للاختلاف الطبيعي الحاسم بينهما في المهام والأهداف، والاختلاف في الطبائع التي جبل عليها كل منهما؛ ليؤدي بها وظيفته الأساسية. وهنا تحدث الضجة الكبرى التي تثيرها المؤتمرات الخاصة بالمرأة وروادها، ويثيرها المنتسبون للحركة النسوية العالمية ومقلدوها في العالم الإسلامي المروجُون لفكرة المساواة التماثلية بين الجنسين.
إن المساواة في معنى الإنسانية ومقتضياتها أمر طبعي، ومطلب عادل ، فالمرأة والرجل هما شقا الإنسانية، والإسلام قرر ذلك بصورة قطعية لا لبس فيها، أما المساواة في وظائف الحياة وطرائقها فكيف يمكن تنفيذها؟ هل في وسع هذه المؤتمرات والحركات النسوية ومنتسبيها من الرجال والنساء، بقراراتهم واجتماعاتهم أن تبدل طبائع الأشياء ؟ وأن تغير طبيعة الفطرة البشرية ؟. إن مزية الإسلام الكبرى أنه دين ونظام واقعي، يحكم في مسألة الرجل والمرأة على طريقته الواقعية، المدركة لفطرة البشر، فيسوي بينهما حين تكون التسوية هي منطق الفطرة الصحيح، ويفرق بينهما حين تكون التفرقة هي منطق الفطرة الصحيح قال تعالى: ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) الملك (14)
إن أي فكرة أو حركة تقوم على مصادمة السنن الاجتماعية والفطر البشرية، مصيرها الفشل الذريع، والخسران المبين، وهذا سبب فشل حركات تحرير المرأة - حتى في العالم الغربي - في تحقيق ما تصبو إليه، بالرغم من مرور أكثر من قرن ونصف على انطلاق هذه الحركة، وهذا يفسر وجود الحركات المناهضة في المجتمعات الغربية، التي تزداد مع الوقت، كلما ظهرت الآثار السلبية القاتلة للحركات النسوية؛ ولذا يكون من العقل والحكمة أن تعتبر المجتمعات الإسلامية بمآلات تلك المجتمعات ، وأن تبدأ من حيث انتهت، لا من حيث بدأت وأن تتخذ من ذلك شهادة على حكمة ما جاء به الإسلام في شان المرأة.
2. تحرم الشريعة الإسلامية التمييز الظالم ضد المرأة، الذي يخل بحقوقها, أو يخدش كرامتها. ولا يوجد تمييز مجاف للعدل ومحابٍ للرجل في منهج الإسلام أو أحكامه ضد المرأة, إلا ما كان في أذهان المرضى بالهزيمة النفسية، أو عند الجاهلين بالشرع المطهر، الذين لم يدركوا الحِكَم من وجود بعض لفروق الخَلقية والجبلية ، وما لزم على ذلك من وجود بعض الاختلاف في الأحكام الشرعية والوظائف والحقوق الحياتية، وكل دعوى تنافي ذلك - سواء صدرت عن عدو مغرض أو عن صديق جاهل - فهي مبنية على وهم وغفلة ، أو حجة داحضة.
لقد قيل - مثلاً - إن إعطاء الأنثى نصف نصيب الرجل في الميراث في أغلب الحالات -عندما يجتمعان في مستوى واحد من القرابة للمورث - مظهر للتمييز ضد المرأة، وهذا انسياق وراء مفهوم المساواة التماثلية، وإعراض عن مفهوم العدل الذي قامت على أساسه العلاقات في الإسلام، والذي يقتضي أن تكون الحقوق حسب الوظائف والمسؤوليات، فإذا كان الرجل ملزماً في الإسلام بالإنفاق على المرأة ودفع المهر لها والعقل في الديات ونحوها ، فمن العدل أن تراعي الشريعة ذلك في الميراث ، وعدم النظرة الشمولية لأحكام الشريعة يوقع في هذه المغالطة.
وقيل - مثلاً - إن اعتبار شهادة امرأتين بشهادة رجل، مظهر للتمييز ضد المرأة، وهذا غفلة عن طبيعة المرأة التي خلقها الله عليها- لحكمة بالغة- فهذه الطبيعة التي قد تضلها عن الحقيقة، تقتضي وجود امرأة أخرى معها في الشهادة، حفظاً للحقوق قال تعالى أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) البقرة (282)، هذا مع العلم أنه تقبل شهادة امرأة واحدة فيما هو من اختصاصها كالرضاعة وثبوت البكارة والعيوب الداخلية للمرأة ونحوها.
ومثال آخر لما يتوهم أنه مظهر للتمييز ضد المرأة، وهو اعتبار دية المرأة نصف دية الرجل، ويندفع هذا التوهم بعد معرفة أن المنتفع بالدية ليس الميت رجلاً أو امرأة، وإنما الوارث، وفي كل النظم يكون تعويض المضرور متناسباً مع الضرر، والضرر المادي الذي يلحق بالورثة بموت عائلهم والمسؤول عن النفقة عليهم وهو الرجل في الغالب، ليس مثل الضرر الذي يصيب الورثة بموت شخص لا يعولهم، ولا يسأل عن نفقتهم .
يؤكد هذا أنه عندما يكون المستحق للتعويض هو المصاب نفسه رجلاً أو امرأة في حالة الدية الجزئية، أي في حالة الدية عن الأعضاء مع بقاء المصاب حياً، فإن الحكم يكون بالتسوية في الدية بين الرجل والمرأة إلى حدود يختلف اجتهاد الفقهاء في تعيينها.
إن هذا الاجتهاد في بيان جوانب من الحكمة في التفريق بين الرجل والمرأة في هذه الأمثلة -وهي أبرز الأمثلة لما يُدعى أنه مظهر للتمييز الظالم ضد المرأة- تظهر أن التفريق في بعض الأحكام بينهما محقق للعدل المطلق، ومناسبٌ للخلق المحكم، ومطرد مع قاعدة الشريعةً.
3. إن المرأة بتكوينها الجسدي والفكري والوجداني، مهيأة لوظيفة أساسية معينة، هي الأمومة ولوازمها، فإذا لم تقم بها فذلك إهدار لطاقة حيوية مرصودة لغرض معين، وتحويل لها عن سبيلها الأصيل، وحينما تكون هناك ضرورة أو حاجة شخصية أو اجتماعية للعمل فلا اعتراض، أما اللجوء إليه بغير حاجة، ولمجرد استجابة لنزوة حمقاء، أصيب بها جيل من البشرية؛ بسبب ظروفه التاريخية والثقافية، أو أنه يريد أن يستمتع بغير حد، وليأت بعده الطوفان، فأمر لا ينتظر من الإسلام قبوله، ولو استجاب له لتخلى عن مزيته العظيمة، وهي النظر إلى جنسي الإنسانية على أنهما متكاملان، وأن البشرية عبارة عن كيان متصل الأجيال.
إن المرأة لا يمكن أن تكون في الغالب أماً وأجيرة للغير في نفس الوقت، أي تقوم بالوظيفتين مع لوازمهما قياماً كاملاً، ودعوى أن المحاضن أو المربيات تقوم بحل مشكلة الأطفال، كلام لا يثبت عند التحقيق والتمحيص ، كما أن هذه الحال تحد من تحقيق معنى قوله تعالى: (لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، والذي هو من أعظم مقاصد النكاح وتكوين الأسرة، فأي جدوى للبشرية من زيادة إنتاجها المادي - إن ثبت ذلك -، وهي تعرض الإنتاج البشري للتلف والبوار.
لقد كان الإسلام يلحظ الفطرة البشرية وحاجات المجتمع معاً حين دعى المرأة للقيام على وظيفتها الأولى باعتبارها من العبادةالتي خلقت من أجلها، ووهبت العبقرية فيها، وجعل كفالتها واجباً على الرجل، لا يملك النكول عنه؛ ليفرغ بالها من القلق على العيش، وتتجه بكل جهدها وطاقتها؛ لرعاية الإنتاج البشري الثمين؛ ولتحقيق السكن المطلوب لرعاية الأسرة زوجاً وأولاداً، ثم أحاطها بكامل الرعاية والاحترام، حين حض الزوج عليها فقال تعالى : (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)النساء(19) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله) رواه الترمذي، وقال: (استوصوا بالنساء خيراً) رواه مسلم، وكذلك عندما حض الأولاد عليها، فقال لما سأله رجل من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك) رواه مسلم.
4. إن الإسلام يحث المسلم، ذكراً كان أو أنثى، على العمل، بالمفهوم الشرعي للعمل لا بالمفهوم المغلوط أو المستورد فالرجل عامل في طلب الرزق وبناء المجتمع، كما أن المرأة عاملة في بيتها وفي بناء أس المجتمع وهو الأسرة.
ولأهمية الأمر، نشير هنا إلى مغالطة شائعة في مفهوم العمل، عند الحديث أو المطالبة بعمل المرأة، حيث يخصص في عمل من سمي في اصطلاح الفقهاء " بالأجير الخاص"، وهو: " العمل مدفوع الأجر"، أو: "تلك الأعمال التي تمارسها المرأة حال كونها أجيرة تحت قوامة شخص لا تربطها به إلا الروابط المادية"". فلا يحتسب من العمل -مثلاً- تلك الأعمال التي تمارسها المرأة في بيتها، من تربية للأبناء، أو حسن تبعل للزوج، أو رعاية لوالدين ونحو ذلك. وغالبا ما توصم المرأة غير الأجيرة بأنها عاطلة، وبأن عدم دخول المرأة "سوق العمل" أجيرة يعتبر تعطيلاً لنصف المجتمع. وهذه مغالطة، انطلت على كثير من الناس مثقفهم وعاميهم إلا من رحم الله. حتى أصبح الخيار, في حس المرأة, هو أن تكون "عاملة" خارج بيتها أو تك