السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
التحذير من المكر والخداع والخيانة – قصة وعبرة
بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتجول في أرجاء المدينة , ويتفقد أحوال الرعية , عثر على جثة رجل قتيل بطعنة سكين في بطنه , وقد جُرّت الجثة على الأرض جرّاً , وألقيت في العراء , ولم يجد أثراً يستدل به على القاتل , كما لم يتقدم أحد للإدلاء بشيء عن الجاني أو بذكر صفة من صفاته مما زاد في قلق عمر , فكان يدعو الله قائلاً : اللهم بصرّني بالقاتل .
وتوالت الأيام ومرت الشهور دون أن يظهر أي خيط من خيوط الجريمة وبعد تسعة أشهر عُثر على طفل حديث الولادة أ ُلقى في نفس المكان الذي أ ُلقيت فيه جثة القتيل , ولما رُفع الأمر إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: هذا أول خيط , الآن ظفرت بالقاتل .
وأخذ الطفل , وعهد به إلى امرأة ذات فراسة , وطلب منها أن تحمل الوليد , وتتجول به بين البيوت , عارضة الطفل على من تُرضعه بدعوى أن الطفل يتيم الأبوين , وأوصاها أن تتفرّس في وجه كل امرأة تُرضع الطفل , وتلاحظ مدى انفعالها وتأثرها وما يظهر على قسمات وجهها من مشاعر وأحاسيس لافته للنظر .
فحملت المرأة الطفل وشرعت تجوب البيوت بيتاً بيتاً تسأل عن مرضع , ومن بين عدة بيوت لا تجد إلا بيتاً فيه امرأة مُرضع , ومضت أيام وأيام , وفي كل يوم تخبر أمير المؤمنين أنها لم تجد شيئاً غير عادي , فكان يحثّها على مواصلة السعي والاستمرار في بذل أقصى الجهد .
وفي يوم دخلت بيت امرأة شابة , فقالت لها : يا أختاه , هل لك في إرضاع طفل وليد يتيم الأبوين وأجرك على الله ؟ فتناولته الشابة , وما أن وضعته على صدرها ونظرت في وجهه حتى اضطربت , واحمرّ وجهها وظهرت علامات التأثر والانفعال في قسمات وجهها , ثم ألقمت الطفل ثديها , وفي صمت شرعت ترضع الطفل ودموع غزيرة تتساقط من عينيها على خديها وعلى وجه الطفل . كانت المرأة تراقب بدقة , وتلاحظ مشاعر الشابة وأحاسيسها تجاه الطفل ثم أخذته وانطلقت مسرعة الى أمير المؤمنين , وأطلعته على أمر الشابة وما بدر منها تجاه الطفل
فأرسل في طلبها , ولما مثلت بين يديه , سألها : ما حكايتك مع هذا الطفل ؟ تكلمي بصدق , واياك أن تكذبي , فشرعت تبكي في حرقة ولوعة وأسى ثم قالت : يا أمير المؤمنين , خرج أبي مجاهداً في سبيل الله , وتركني في البيت لوحدي , وأوصى بي امرأة عجوزاً لتقضي الليل معي حتى يعود , وكانت المرأة العجوز تأتي كل ليلة , وتبيت في فراشي حتى الصباح , ثم تتركني .
وذات ليلة أحضرت معها امرأة وقالت : يا ابنتي , إن هذه المرأة ستبيت الليلة عندك بدلا مني , لأنني سأزور أقارب لي , وأبيت عندهم , وباتت المرأة معي في الفراش , وفي جوف الليل وأنا أغط ّ في نوم عميق استيقظت فجأة على رجل يغتصبني , فما كان مني إلا أن طعنته بسكين في بطنه . فقتلته , وما كانت المرأة التي نامت في فراشي إلا هذا الرجل الخائن الغادر الذي تخفى في ثياب امرأة , ثم أخذت أجرّ الجثة بعيدا عن العيون , وألقيتها في العراء بعيدا عن بيتي .
ومضت أيام وأيام وإذا بس أشعر بعلامات الحمل , فأخفيت حملي إلى أن ولدت هذا الطفل , وبعد أن ولدته وضعته في مكان أبيه .
هذه حكايتي يا أمير المؤمنين من أولها إلى آخرها .
كان عمر يصغي إلى المرأة الشابة في تأثر عميق إلى أن فرغت من كلامها ثم قال: ( عجبت لقاتل يدخل الجنة , ومقتول يدخل النار ) .
###################################
هذه المرأة العجوز التي وثق بها والد الفتاة , وأمنها على ابنته مدة غيابه , خانت الأمانة , وغدرت بالفتاة , وأسلمتها إلى رجل منافق في زي امرأة ليبيت عندها ويعتدي على عرضها .
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف , وإذا اؤتمن خان ) رواه البخاري .
أما ذلك الرجل المنافق الغادر الذي لا يستحي من الله , فقد استغل وجود شابة وحيدة في بيتها , وفي غفلة منها اغتصبها فكان كالحية الناعمة الملساء التي لدغت الضحية , ولقد نال جزاءه العاجل بطعنة سكين مزقت أحشاءه , ومات عاصياً لله إذ فارق الدنيا وهو يرتكب الفاحشة , فيا لسوء الخاتمة !!! فالمرء يبعث يوم القيامة على ما مات عليه .
##################
ولقد شدّد الإسلام في الأمانة والعهد , فجعل رعاية الأمانة والوفاء بالعهد من سمات النفس المؤمنة , وجعل خيانة الأمانة وإخلاف العهد من سمات النفس المنافقة , فالمؤمنون إذا ائتمنوا لم يخونوا , وإذا عاهدوا لم يغدروا , يقول الله تعالى في وصفهم والثناء عليهم : (( والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون )) سورة المعارج : الآية 32 .
قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " المكر والخديعة والخيانة في النار " رواه أبو داود .
*******************
وإليك أخي القارىء حكاية أبي جهل مع أخيه , وكيف احتال عليه , ثم غدر به , فقد روي أن " عياش بن أبي ربيعة " كان أخاً لأبي جهل من أمه , وكان قد أسلم وهاجر إلى المدينة خوفاًمن أهله , وذلك قبل هجرة النبيّ عليه الصلاة والسلام , فأقسمت أمّه ألاّ تأكل وألاّ تشرب وألاّ يُؤويها سقف حتى يرجع , فخرج أبو جهل ومعه " الحارث بن زيد " فأتياه وهو في أطم – أي جبل – فقالا له : أليس محمد يحثك على صلة الرحم ؟ انصرف وبرّ أمك , ولك علينا ألا نكرهك على شيء , ولا نحول بينك وبين دينك , فنزل وذهب معهما , فلما بعدا من المدينة شدّا يديه إلى خلف بحبل , وجلده كل واحد منهما مائة جلدة , فقال عياش للحارث : هذا أخي فمن أنت ؟ لله عليّ إن وجدتك خالياً لأقتلنّك , وقدما به على أمّه , فحلفت ألا يحلّ وثاقه حتى يرجع عن دينه , ففعل بلسانه مطمئناً قلبه على الإيمان , إلى أن سنحت الفرصة , فهاجر ثانية إلى المدينة .
***********************